للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن هذا المعنى، وأن المعنى- أحكم بينكم في الآخرة فيما كنتم فيه تختلفون في الدنيا.

الرابع أن العذاب في الدنيا هو الفوقية عليهم، والمعنى أضم إلى عذاب الفوقية السابقة عذاب الآخرة قال في الكشف: وفيه تقابل حسن وإن هذه الفوقية مقدمة عذاب الآخرة ومؤكدته، وإدماج أنها فوقية عدل لا تسلط وجود، ولا يخفى أنه بعيد من اللفظ جدا إذ معنى أعذبه في الدنيا والآخرة ليس إلا أني أفعل عذاب الدارين إلا أن يقال: إن اتخاذ الكل لا يلزم أن يكون باتخاذ كل جزء فيجوز أن يفعل في الآخرة تعذيب الدارين بأن يفعل به عذاب الآخرة وقد فعل في الدنيا عذاب الدنيا فيكون تمام العذابين في الآخرة.

الخامس أن في الدنيا والآخرة متعلق- بشديد- تشديدا لأمر الشدة وليس بشيء كما لا يخفى، والأولى من هذا كله ما ذكره بعض المحققين أن يحمل معنى ثُمَّ على التراخي والرتبي والترقي من كلام إلى آخر لا على التراخي في الزمان فحينئذ لا يلزم أن يكون رجوعهم إلى الله تعالى متأخرا عن الجعل في الزمان سواء كان قوله جل شأنه: إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية للجعل أو الفوقية فلا محذور، ثم إن المراد بالعذاب في الدنيا إذ لا هم بالقتل والأسر والسبي وأخذ الجزية ونحو ذلك، ومن لم يفعل معه شيء من وجوه الإذلال فهو على وجل إذ يعلم أن الإسلام يطلبه وكفى بذلك عذابا، وبالعذاب في الآخرة عقاب الأبد في النار وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ أي أعوان يدفعون عنهم عذاب الله، وصيغة الجمع- كما قال مولانا مفتي الروم- لمقابلة ضمير الجمع أي ليس لكل واحد منهم ناصر واحد.

وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بيان الحال القسم الثاني، وبدأ بقسم الَّذِينَ كَفَرُوا لأن ذكر ما قبله من حكم الله تعالى بينهم أول ما يتبادر منه في بادئ النظر التهديد فناسب البداءة بهم ولأنه أقرب في الذكر لقوله تعالى: فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا ولكون الكلام مع اليهود الذين كفروا بعيسى عليه السلام وهموا بقتله فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ أي فيوفر عليهم ويتمم جزاء أعمالهم القلبية والقالبية ويعطيهم ثواب ذلك وافيا من غير نقص.

وزعم بعضهم أن توفية الأجور هي قسم المنازل في الجنة- والظاهر أنها أعم من ذلك- وعلق التوفية على الإيمان والعمل الصالح ولم يعلق العذاب بسوى الكفر تنبيها على درجة الكمال في الإيمان ودعاء إليها وإيذانا بعظم قبح الكر، وقرأ حفص، ورويس عن يعقوب- فيوفيهم- بياء الغيبة، وزاد رويس ضم الهاء، وقرأ الباقون بالنون جريا على سنن العظمة والكبرياء، ولعل وجه الالتفات إلى الغيبة على القراءة الأولى الإيذان بأن توفية الاجر مما لا يقتضي لها نصب نفس لأنها من آثار الرحمة الواسعة ولا كذلك العذاب، والموصول في الآيتين مبتدأ خبره ما بعد الفاء، وجوز أن يكون منصوبا بفعل محذوف يفسره ما ذكر، وموضع المحذوف بعد الصلة- كما قال أبو البقاء- ولا يجوز أن يقدر قبل الموصول لأن- أما- لا يليها الفعل.

وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ أي لا يريد تعظيمهم ولا يرحمهم ولا يثني عليهم، أو المراد يبغضهم على ما هو الشائع في مثل هذه العبارة، والجملة تذييل لما قبل مقرر لمضمونه ذلِكَ أي المذكور من أمر عيسى عليه السلام والإتيان بما يدل على البعد للإشارة إلى عظم شأن المشار إليه وبعد منزلته في الشرف.

نَتْلُوهُ عَلَيْكَ أي نسرده ونذكره شيئا بعد شيء، والمراد تلوناه إلا أنه عبر بالمضارع استحضارا للصورة الحاصلة اعتناء بها، وقيل: يمكن الحمل على الظاهر لأن قصة عيسى عليه السلام لم يفرغ منها بعد مِنَ الْآياتِ أي الحجج الدالة على صدق نبوتك إذ أعلمتهم بما لا يعلمه إلا قارئ كتاب، أو معلم، ولست بواحد منهما فلم يبق إلا أنك قد عرفته من طريق الوحي وَالذِّكْرِ أي القرآن، وقيل: اللوح المحفوظ وتفسيره به لاشتماله عليه، ومِنَ تبعيضية على الأول، وابتدائية على الثاني وحملها على البيان وإرادة بعض مخصوص من القرآن بعيد الْحَكِيمِ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>