والظرف متعلق بالفعلين وفيه تهويل للوعيد وَلا يُزَكِّيهِمْ أي ولا يحكم عليهم بأنهم أزكياء ولا يسميهم بذلك بل يحكم بأنهم كفرة فجرة- قاله القاضي- وقال الجبائي: لا ينزلهم منزلة الأزكياء، وقيل: لا يطهرهم عن دنس الذنوب والأوزار بالمغفرة وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ أي مؤلم موجع، والظاهر أن ذلك في القيامة إلا أنه لم يقيد به اكتفاء بالأول، وقيل: إنه في الدنيا بالإهانة وضرب الجزية بناء على أن الآية في اليهود.
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً أي إن من أهل الكتاب الخائنين لجماعة يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ أي يحرفونه- قاله مجاهد- وقيل: أصل- اللّي- الفتل من قولك: لويت يده إذا فتلتها، ومنه لويت الغريم إذا مطلته حقه قال الشاعر:
تطيلين لياني وأنت «ملية» ... وأحسن يا ذات الوشاح التقاضيا
وفي الخبر «ليّ الواجد ظلم»
فالمعنى يفتلون ألسنتهم في القراءة بالتحريف في الحركات ونحوها تغييرا يتغير به المعنى ويرجع هذا في الآخرة إلى ما قاله مجاهد، وقريب منه ما قيل: إن المراد يميلون الألسنة بمشابه الكتاب، والألسنة- جمع لسان. وذكر ابن الشحنة أنه يذكر ويؤنث، ونقل عن أبي عمرو بن العلاء أن من أنثه جمعه على ألسن، ومن ذكره جمعه على ألسنة، وعن الفراء أنه قال: اللسان بعينه لم أسمعه من العرب إلا مذكرا ولا يخفى أن المثبت مقدم على النافي والباء صلة، أو للآلة، أو للظرفية، أو للملابسة، والجار والمجرور حال من الألسنة أي ملتبسة بالكتاب، وقرأ أهل المدينة- يلوون- بالتشديد فهو على حد لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ [المنافقون: ٥] وعن مجاهد وابن كثير- يلون- على قلب الواو المضمومة همزة ثم تخفيفها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها كذا قيل، واعترض عليه بأنه لو نقلت ضمة الواو لما قبلها فحذفت لالتقاء الساكنين كفى في التوجيه فأي حاجة إلى قلب الواو همزة، ورد بأنه فعل ذلك ليكون على القاعدة التصريفية بخلاف نقل حركة الواو ثم حركة الواو ثم حذفها على ما عرف في التصريف، ونظر فيه بعض المحققين بأن الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا كانت ضمتها أصلية فهو مخالف للقياس أيضا.
نعم قرئ- يلؤون- بالهمز في الشواذ وهو يؤيده، وعلى كل ففيه اجتماع إعلالين ومثله كثير، وأما جعله من- الولي- بمعنى القرب أي يقربون ألسنتهم بميلها إلى المحرف فبعيد من الصحيح قريب إلى المحرف.
لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ أي لتظنوا أيها المسلمون أن المحرف المدلول عليه- باللي- أو المشابه من كتاب الله تعالى المنزل على بعض أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وقرئ ليحسبوه بالياء والضمير أيضا للمسلمين.
وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ ولكنه من قبل أنفسهم وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي ويزعمون صريحا غير مكتفين بالتورية والتعريض أن المحرف، أو المشابه نازل من عند الله وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي وليس هو نازلا من عند الله تعالى، والواو- للحال والجملة حال من ضمير المبتدأ في الخبر، وفي جملة وَيَقُولُونَ إلخ تأكيد للنفي الذي قبلها وليس الغرض التأكيد فقط وإلا لما توجه العطف بل التشنيع أيضا بأنهم لم يكتفوا بذلك التعريض حتى ارتكبوا هذا التصريح وبهذا حصلت المغايرة المقتضية للعطف، والإظهار في موضع الإضمار لتهويل ما قدموا عليه، واستدل الجبائي والكعبي بالآية على أن فعل العبد ليس بخلق الله تعالى وإلا صدق أولئك المحرفون بقولهم هو من عند الله تعالى لكن الله ردّ بأن القوم ما ادعوا أن التحريف منه عند الله وبخلقه وإنما ادعوا أن المحرف منزل من عند الله، أو حكم من أحكامه فتوجه تكذيب الله تعالى إياهم إلى هذا الذي زعموا.
والحاصل أن المقصود بالنفي كما أشرنا إلى نزوله من عنده سبحانه وهو أخص من كونه من فعله وخلقه، ونفي