للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخاص لا يستلزم نفي العام فلا يدل على مذهب المعتزلة القائلين بأن أفعال العبادة مخلوقة لهم لا لله تعالى: وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ أي في نسبتهم ذلك إلى الله تعالى تعريضا وتصريحا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أنهم كاذبون عليه سبحانه وهو تسجيل عليهم بأن ما افتروه عن عمد لا خطأ، وقيل: يَعْلَمُونَ ما عليهم في ذلك من العقاب، روى الضحاك عن ابن عباس أن الآية نزلت في اليهود والنصارى جميعا وذلك أنهم حرفوا التوراة والإنجيل وألحقوا بكتاب الله تعالى ما ليس منه، وروى غير واحد أنها في طائفة من اليهود، وهم كعب بن الأشرف، ومالك، وحيي بن أخطب، وأبو ياسر، وشعبة بن عمرو الشاعر غيروا ما هو حجة عليهم من التوراة.

واختلف الناس في أن المحرف هل كان يكتب في التوراة أم لا؟ فذهب جمع إلى أنه ليس في التوراة سوى كلام الله تعالى وأن تحريف اليهود لم يكن إلا تغييرا وقت القراءة أو تأويلا باطلا للنصوص، وأما أنهم يكتبون ما يرومون في التوراة على تعدد نسخها فلا، واحتجوا لذلك بما أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه أنه قال: إن التوراة والإنجيل كما أنزلهما الله تعالى لم يغير منهما حرف ولكنهم يضلون بالتحريف والتأويل وكتب كانوا يكتبونها من عند أنفسهم ويقولون: إن ذلك من عند الله وما هو من عند الله فأما كتب الله تعالى فإنها محفوظة لا تحول

وبأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول لليهود إلزاما لهم: «ائتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين»

وهم يمتنعون عن ذلك فلو كانت مغيرة إلى ما يوافق مرامهم ما امتنعوا بل وما كان يقول لهم ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه يعود على مطلبه الشريف بالإبطال.

وذهب آخرون إلى أنهم بدلوا وكتبوا ذلك في نفس كتابهم واحتجوا على ذلك بكثير من الظواهر ولا يمنع من ذلك تعدد النسخ إما لاحتمال التواطؤ أو فعل ذلك في البعض دون البعض وكذا لا يمنع منه قول الرسول لهم ذلك لاحتمال علمه صلى الله تعالى عليه وسلم ببقاء بعض ما يفي بغرضه سالما عن التغيير إما لجهلهم بوجه دلالته، أو لصرف الله تعالى إياهم عن تغييره، وأما ما روي عن وهب فهو على تقدير ثبوته عنه يحتمل إن يكون قولا عن اجتهاد، أو ناشئا عن عدم استقراء تام، ومما يؤيد وقوع التغيير في كتب الله تعالى وأنها لم تبق كيوم نزلت وقوع التناقض في الأناجيل وتعارضها وتكاذبها وتهافتها ومصادمتها بعضها ببعض، فإنها أربعة أناجيل: الأول إنجيل متى وهو من الاثني عشر الحواريين- وإنجيله باللغة السريانية- كتبه بأرض فلسطين بعد رفع المسيح إلى السماء بثماني سنين وعدد إصحاحاته ثمانية وستون إصحاحا، والثاني إنجيل مرقس وهو من السبعين- وكتب إنجيله باللغة الفرنجية بمدينة رومية بعد رفع المسيح باثنتي عشرة سنة- وعدد إصحاحاته ثمانية وأربعون إصحاحا، والثالث إنجيل لوقا وهو من السبعين أيضا- كتب إنجيله باللغة اليونانية بمدينة الاسكندرية بعد ذلك- وعدد إصحاحاته ثلاثة وثمانون إصحاحا، والرابع إنجيل يوحنا وهو حبيب المسيح- كتب إنجيله بمدينة إفسس من بلاد رومية بعد رفع المسيح بثلاثين سنة- وعدد إصحاحاته في النسخ القبطية ثلاثة وثلاثون إصحاحا. وقد تضمن كل إنجيل من الحكايات والقصص ما أغفله الآخر، واشتمل على أمور وأشياء قد اشتمل الآخر على نقيضها أو ما يخالفها، وفيها ما تحكم الضرورة بأنه ليس من كلام الله تعالى أصلا، فمن ذلك أن متى ذكر أن المسيح صلب وصلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله وأنهما جميعا كانا يهزءان بالمسيح مع اليهود ويعيرانه، وذكر لوقا خلاف ذلك فقال: إن أحدهما كان يهزأ به والآخر يقول له:

أما تتقي الله تعالى أما نحن فقد جوزينا وأما هذا فلم يعمل قبيحا ثم قال للمسيح: يا سيدي اذكرني في ملكوتك فقال:

حقا إنك تكون معي اليوم في الفردوس. ولا يخفى أن هذا يؤول إلى التناقض فإن اللصين عند متى كافران وعند لوقا أحدهما مؤمن والآخر كافر، وأغفل هذه القصة مرقس، ويوحنا، ومنه أن لوقا ذكر أنه قال يسوع: إن ابن الإنسان لم

<<  <  ج: ص:  >  >>