قبل داود وابنه عليهما السلام ثم بيناه بعد ذلك، ولا بد من هذا التأويل- قاله الطحاوي- وأجاب بعضهم على تقدير أن يراد من الوضع البناء بأن باني المسجد الحرام والمسجد الأقصى هو إبراهيم عليه السلام وأنه بني الأقصى بعد أربعين سنة من بنائه المسجد الحرام وادعى فهم ذلك من الحديث فتدبر.
وورد في بعض الآثار أن أول من بنى البيت الملائكة وقد بنوه قبل آدم عليه السلام بألفي عام،
وعن مجاهد وقتادة والسدي ما يؤيد ذلك، وحكي أن بناء الملائكة له كان من ياقوتة حمراء ثم بناه آدم ثم شيث ثم إبراهيم ثم العمالقة ثم جرهم ثم قصي ثم قريش ثم عبد الله بن الزبير ثم الحجاج واستمر بناء الحجاج إلى الآن إلا في الميزاب والباب والعتبة ووقع الترميم في الجدار والسقف غير مرة وجدد فيه الرخام، وقيل: إنه نزل مع آدم من الجنة ثم رفع بعد موته إلى السماء، وقيل: بني قبله ورفع في الطوفان إلى السماء السابعة، وقيل: الرابعة، وذهب أكثر أهل الأخبار أن الأرض دحيت من تحته، وقد أسلفنا لك ما ينفعك هنا فتذكر مُبارَكاً أي كثير الخير لما أنه يضاعف فيه ثواب العبادة قاله ابن عباس، وقيل: لأنه يغفر فيه الذنوب لمن حجه وطاف به واعتكف عنده.
وقال القفال: يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ [القصص: ٥٧] ، وقيل: بركته دوام العبادة فيه ولزومها، وقد جاءت البركة بمعنيين: النمو وهو الشائع، والثبوت ومنه البركة لثبوت الماء فيها والبرك الصدر لثبوت الحفظ فيه وتبارك الله سبحانه بمعنى ثبت ولم يزل، ووجه الكرماني كونه مباركا بأن الكعبة كالنقطة وصفوف المتوجهين إليها في الصلوات كالدوائر المحيطة بالمركز ولا شك أن فيهم أشخاصا أرواحهم علوية وقلوبهم قدسية وأسرارهم نورانية وضمائرهم ربانية ومن كان في المسجد الحرام يتصل أنوار تلك الأرواح الصافية المقدسة بنور روحه فتزداد الأنوار الإلهية في قلبه وهذا غاية البركة ثم إن الأرض كرية وكل آن يفرض فهو صبح لقوم ظهر لثان عصر لثالث وهلم جرا، فليست الكعبة منفكة قط عن توجه قوم إليها لأداء الفرائض فهو دائما كذلك والمنصوب حال من الضمير المستتر في الظرف الواقع صلة.
وجوز أبو البقاء جعله حالا من الضمير في وُضِعَ وَهُدىً لِلْعالَمِينَ أي هاد لهم إلى الجنة التي أرادها سبحانه أو هاد إليه جل شأنه بما فيه من الآيات العجيبة كما قال تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ كإهلاك من قصده من الجبابرة بسوء كأصحاب الفيل وغيرهم وعدم تعرض ضواري السباع للصيود فيه وعدم نفرة الطير من الناس هناك، وإن أيّ ركن من البيت وقع الغيث في مقابلته كان الخصب فيما يليه من البلاد فإذا وقع في مقابلة الركن اليماني كان الخصب باليمن، وإذا كان في مقابلة الركن الشامي كان الخصب بالشام، وإذا عم البيت كان في جميع البلدان وكقلة الجمرات على كثرة الرماة إلى غير ذلك وعدوا منه انحراف الطير عن موازاته على مدى الأعصار، وفيه كلام للمحدثين لأن منها ما يعلوه، وقيل: لا يعلوه إلا ما به علة للاستشفاء، واعترض بأن العقاب علته لأخذ الحية، وقيل: إن الطير المهدر دمها تعلوه والحمام مع كثرته لا يعلوه وبه جمع بعضهم بين الكلامين- ومع هذا في القلب منه شيء- فقد نقل بعض الناس أنه شاهد أن الطير مطلقا تعلوه في بعض الأحايين والضمير المجرور عائد على البيت، والظرفية مجازية وإلا لما صح عدّ هذه الآيات، والجملة إما مستأنفة جيء بها بيانا تفسيرا للهدى، وإما حال أخرى ولا بأس في ترك الواو في الجملة الاسمية الحالية على ما أشار إليه عبد القاهر وغيره، وجوز أن تكون حالا من الضمير في العالمين والعامل فيه هدى، أو من الضمير في مُبارَكاً وهو العامل فيها، أو يكون صفة لهدى كما أن العالمين كذلك، وقوله