للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: مَقامُ إِبْراهِيمَ مبتدأ محذوف الخبر أو خبر محذوف المبتدأ أي منها أو أحدها مقام إبراهيم، واختار الحلبي الأخير، وقيل: بدل البعض من الكل واليه ذهب أبو مسلم، وجوز بعضهم أن يكون عطف بيان وصح بيان الجمع بالمفرد بناء على اشتمال المقام على آيات متعددة لان أثر القدمين في الصخرة الصماء آية وغوصهما فيها إلى الكعبين آية وإلانة بعض هذا النوع دون بعض آية وإبقاؤه على ممر الزمان آية وحفظه من الأعداء آية أو على أن هذه الآية الواحدة لظهور شأنها وقوة دلالتها على قدرة الله تعالى ونبوة إبراهيم عليه السلام منزلة منزلة آيات كثيرة، وأيد ذلك بما أخرجه ابن الأنباري عن مجاهد أنه كان يقرأ- فيه آية بينة- بالتوحيد، وفيه أن هذا وإن ساغ معنى إلا أنه يرد عليه أن آياتٌ نكرة، ومَقامُ إِبْراهِيمَ معرفة، وقد صرح أبو حيان أنه لا يجوز التخالف في عطف البيان بإجماع البصريين والكوفيين، ثم إن سبب هذا الأثر في هذا المقام ما ورد في الأثر عن سعيد بن جبير أنه لما ارتفع بنيان الكعبة قام على هذا الحجر ليتمكن من رفع الحجارة فغاصت فيه قدماه وقد تقدم غير ذلك في ذلك أيضا وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً الضمير المنصوب عائد إلى مقام إبراهيم بمعنى الحرم كله على ما قاله ابن عباس لا موضع القدمين فقط، ويمكن أن يكون هناك استخدام، وقال الجصاص: أورد الآيات المذكورات في الحرم، ثم قال: وَمَنْ دَخَلَهُ الله فيجب أن يكون المراد جميع الحرم، والجملة إما ابتدائية وليست بشرطية وإما شرطية عطف كما قال غير واحد من حيث المعنى على مَقامُ لأنه في المعنى أمن من دخله أي ومنها أو ثانيها أمن من دخله أو- فيه آيات مقام إبراهيم- وأمن من دخله وعلى هذا لا حاجة إلى ما تكلف في توجيه الجمعية لأن الآيتين نوع من الجملة كالثلاثة والأربعة، ويجوز أن يذكر هاتان الآيتان ويطوي ذكر غيرهما دلالة على تكاثر الآيات، ومثل هذا الطي واقع في الأحاديث النبوية والأشعار العربية، فالأول

كرواية «حبب إليّ من دنياكم ثلاث الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة»

على ما هو الشائع وإن صححوا عدم ذكر ثلاث، وأما الثاني فمنه قول جرير:

كانت حنيفة (أثلاثا) فثلثهم ... من العبيد (وثلث من مواليها)

ومَنْ إما للعقلاء أو لهم ولغيرهم على سبيل التغليب لأنه يأمن فيه الوحش والطير بل والنبات فحينئذ يراد بالأمن ما يصح نسبته إلى الجميع بضرب من التأويل، وعلى التقدير الأول يحتمل أن يراد بالأمن الأمن في الدنيا من نحو القتل والقطع وسائر العقوبات فقد أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية أنه قال: كان الرجل في الجاهلية يقتل الرجل ثم يدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول أو أبوه فلا يحركه.

وأخرج ابن المنذر عن عمر بن الخطاب أنه قال: لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه.

وأخرج ابن جرير عن ابنه أنه قال: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته، وعن ابن عباس لو وجدت قاتل أبي في الحرم لم أتعرض له، ومذهبه في ذلك أن من قتل أو سرق في الحل ثم دخل الحرم فإنه لا يجالس ولا يكلم ولا يؤذى ولكنه يناشد حتى يخرج فيؤخذ فيقام عليه ما جرّ فإن قتل أو سرق في الحرم أقيم عليه في الحرم والروايات عنه في ذلك كثيرة وقد تقدم تفصيل الأقوال في المسألة، وأما أن يراد به كما ذهب إليه الصادق رضي الله تعالى عنه الأمن في الآخرة من العذاب، فقد أخرج عبد بن حميد وغيره عن يحيى بن جعدة أن من دخله كان آمنا من النار،

وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: من دخل البيت دخل في حسنة، وخرج من سيئة مغفورا له،

وروي من غير طريق عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة،

وفي رواية عن ابن عمر قال: من قبر بمكة مسلما بعث آمنا يوم القيامة،

ويجوز إرادة العموم بأن يفسر بالأمن في الدنيا والآخرة ولعله الظاهر من إطلاق اللفظ.

<<  <  ج: ص:  >  >>