للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ جملة ابتدائية فيها حج والخبر لِلَّهِ وعَلَى النَّاسِ متعلق بما تعلق به الخبر أو بمحذوف وقع حالا من المستتر في الجار والمجرور والعامل فيه الاستقرار.

وجوز أن يكون عَلَى النَّاسِ خبرا، ولِلَّهِ متعلق بما تعلق به، ولا يجوز أن يكون حالا من المستكن في الناس لأن العامل في الحال حينئذ يكون معنى، والحال لا يتقدم على العامل المعنوي عند الجمهور، وجوزه ابن مالك إذا كان الحال ظرفا أو حرف جر وعامله كذلك بخلاف الظرف وحرف الجر فإنهما لا يتقدمان على عاملهما المعنوي، وجوز أن يرتفع الحج بالجار الأول أو الثاني وهو في اللغة مطلق القصد أو كثرته إلى من يعظم، والمراد به هنا قصد مخصوص غلب فيه حتى صار حقيقة شرعية، وأل في البيت للعهد، وقرأ حمزة والكسائي. وعاصم في رواية حفص حِجُّ بالكسر كعلم وهو لغة نجد مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا بدل من الناس بدل البعض من الكل والضمير في البدل مقدر أي منهم، وقيل: بدل الكل من الكل، والمراد من الناس خاص ولا يحتاج إلى ضمير، وقيل: خبر لمحذوف أي هم من استطاع أو الواجب عليه من استطاع.

وجوز أن يكون منصوبا بإضمار فعل أعني أعني، وأن يكون فاعل المصدر وهو مضاف إلى مفعوله أي- ولله على الناس أن يحج من استطاع منهم البيت- وفيه مناقشة مشهورة، ومَنْ على هذه الأوجه موصولة.

وجوز أن تكون شرطية والجزاء محذوف يدل عليه ما تقدم، أو هو نفسه على الخلاف المقرر بين البصريين والكوفيين ولا بد من ضمير يعود من جملة الشرط عَلَى النَّاسِ والتقدير من استطاع منهم إليه سبيلا فلله عليه أن يحج، ويترجح هذا بمقابلته بالشرط بعده، والضمير المجرور للبيت أو للحج لأنه المحدث عنه، وهو متعلق بالسبيل لما فيه من معنى الإفضاء وقدم عليه للاهتمام بشأنه، والاستطاعة في الأصل استدعاء طواعية الفعل وتأتيه، والمراد بالاستدعاء الإرادة وهي تقتضي القدرة فأطلقت على القدرة مطلقا أو بسهولة فهي أخص منها وهو المراد هنا، وسيأتي تحقيقه قريبا إن شاء الله تعالى، والقدرة إما بالبدن أو بالمال أو بهما. وإلى الأول ذهب الإمام مالك فيجب الحج عنده على من قدر على المشي والكسب في الطريق، وإلى الثاني ذهب الإمام الشافعي ولذا أوجب الاستنابة على الزمن إذا وجد أجرة من ينوب عنه، وإلى الثالث ذهب إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه، ويؤيده ما أخرجه البيهقي، وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: السبيل أن يصح بدن العبد ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به.

واستدل الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه بما

أخرجه الدارقطني عن جابر بن عبد الله قال: «لما نزلت هذه الآية وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قام رجل فقال: يا رسول الله ما السبيل؟ قال: الزاد والراحلة»

وروي هذا من طرق شتى وهو ظاهر فيما ذهب إليه الشافعي حيث قصر الاستطاعة على المالية دون البدنية، وهو مخالف لما ذهب إليه الإمام مالك مخالفة ظاهرة، وأما إمامنا فيؤول ما وقع فيه بأنه بيان لبعض شروط الاستطاعة بدليل أنه لو فقد أمن الطريق مثلا لم يجب الحج عليه، والظاهر أنه صلى الله تعالى عليه وسلم لم يتعرض لصحة البدن لظهور الأمر كيف لا والمفسر في الحقيقة هو السبيل الموصل لنفس المستطيع إلى البيت وذا لا يتصور بدون الصحة، ومما يؤيد أن ما في الحديث بيان لبعض الشروط أنه ورد في بعض الروايات الاقتصار على واحد مما فيه،

فقد أخرج الدارقطني أيضا عن علي كرم الله تعالى وجهه أن النبي صلّى الله عليه وسلم سئل عن السبيل فقال: أن تجد ظهر بعير ولم يذكر الزاد.

هذا واستدل بالآية على أن الاستطاعة قبل الفعل وفساد القول بأنها معه، ووجه الاستدلال ظاهر، وأجيب بأن الاستطاعة التي ندعي أنها مع الفعل هي حقيقة القدرة التي يكون بها الفعل وتطلق الاستطاعة على معنى آخر هو سلامة

<<  <  ج: ص:  >  >>