فالأوامر والنواهي متعلقة بالأفعال التي هي اختيارية في الظاهر باعتبار هذا التعلق الذي لا تأثير معه وادعاء أنها صرائح في التعلق مع التأثير ممنوع بل هي محتملة ولو سلم أنها ظاهرة في التأثير، فالظاهر قد يعدل عنه لدليل خلافه، والقول بأنا لا نفهم من تعلق القدرة إلا تأثيرها وإلا فليست بقدرة، فكيف يثبت للقدرة تعلق بلا تأثير سؤال مشهور «وجوابه» ما في شرح المواقف وغيره من أن التأثير من توابع القدرة، وقد ينفك عنها ويجاب بأن تفسير الكسب- بالتعلق الذي لا تأثير معه مردا به التحصيل بحسب ظاهر الأمر فقط- مصادم للنصوص الناطقة بأن العبد متمكن من إيجاد أفعاله الاختيارية بإذن الله تعالى، ولا دليل على خلافه يوجب العدول، والله خالق كل شيء لا ينافي التأثير بالإذن على أن تعلق القدرة تابع للإرادة وتعلقها على القول بنفي التأثير بالكلية غير صحيح كما يشير إليه كلام الجلال الدواني في بيان مبادئ الأفعال الاختيارية، ويوضحه كلام حجة الإسلام الغزالي في كتاب التوحيد والتوكل من الإحياء، وأما ما في شرح المواقف وغيره من أن التأثير قد ينفك عن القدرة فنحن نقول به إذ ما شاء الله تعالى كان وما لم يشأ لم يكن وإنما الإنكار على نفي التأثير بالكلية عن القدرة الحادثة والاستدلال بما ذكره حجة الإسلام في الاقتصاد من أن القدرة الأزلية متعلقة في الأزل بالحادث ولا حادث فصح التعلق ولا تأثير، ويجوز أن تكون القدرة الحادثة كذلك مجاب عنه بأن القدرة لا تؤثر إلا على وفق الإرادة والإرادة تعلقت أزلا بإيجاد الأشياء بالقدرة في أوقاتها اللائقة بها في الحكمة فعدم تأثيرها قبل الوقت لكونها مؤثرة على وفق الإرادة لا مطلقا فلا يجب تأثيرها قبل الوقت ويجب تأثيرها فيه والقدرة الحادثة على القول بنفي تأثيرها بالكلية لا يصدق عليها أنها تؤثر وفق الإرادة فلا يصح قياسها على القديمة.
والحاصل أن كل تعلق للقديمة على وفق الإرادة لا ينفك عنه التأثير في وقته بخلاف الحادثة فإنه لا تأثير لها أصلا على القول بنفي التأثير عنها كليا فلا تعلق لها بالتأثير على وفق الإرادة.
والثالث أن القول في الاعتراض الثالث إنه لو كانت كذلك لكان التكليف بما لا يطاق واقعا إلخ يقال عليه: نلتزم وقوعه عند الأشعري ولا محذور فيه، ويجاب بأنه قد حقق في موضعه أن الإمام الأشعري لم ينص على ذلك ولا يصح أخذه من كلامه فالتزام وقوعه عنده التزام ما لم يقل به لا صريحا ولا التزاما، والقول إنه لا محذور فيه إنما يصح بالنظر إلى الغنى الذاتي وأما بالنظر إلى أنه تعالى جواد حكيم فالتزامه مصادمة للنص رأي محذور أشنع من هذا.
والرابع أن القول هناك أيضا إن المقارنة لو كانت هي الكسب لكانت هي المكلف بها غير لازم فإن الكسب يطلق على المعنى المصدري ويطلق على المفعول أي المكسوب وهو نفس الأمر لا الكسب بمعنى المقارنة أو تعلق القدرة الحادثة بالفعل فمعنى كسب تعلقت قدرته بالفعل، وإن شئت قلت: قارنت قدرته الفعل فكان الفعل مكسوبا وهو المكلف به، ويجاب بأن الكسب الحقيقي الوارد في الكتاب والسنة معناه تحصيل العبد ما تعلقت به إرادته التابعة لإرادة الله تعالى بقدرته المؤثره بإذنه وأن مكسوبه ما حصله بقدرته المذكورة فمعنى كون الفعل المكسوب مكلفا به هو أن العبد المكلف مطلوب منه تحصيله بالكسب بالمعنى المصدري لأن المكسوب هو الحاصل بالمصدر فإذا كان المكسوب مكلفا به كان الكسب بالمعنى المصدري مكلف به قطعا لامتناع حصول المكسوب من غير قيام المعنى المصدري بالمكلف ضرورة انتفاء الحاصل بالمصدر عند انتفاء قيام المصدر بالمكلف فظهرت الملازمة في الشرطية «والخامس» أن القول في الاعتراض إن المقارنة لكونها أمرا مترتبا على فعل الله تعالى لا تختلف إلخ، فيه أمران: الأول أنا لا نسلم التلازم بين كون المقارنة هي المكلف بها وبين عدم الاختلاف وأي مانع من أن تكون مختلفة باعتبار أحوال الشخص عندها فتارة يخلق الله تعالى فيه صبرا وعزما وتارة جزعا وفتورا إلى غير ذلك مما يرجع إلى سلامة البنية ومقابله أو غيرهما من الاعراض والأحوال التي يخلقها الله تعالى ويصرف عبده فيها كيف شاء مما يوجب