التشنيع، وقد تقدم الكلام في الربا أَضْعافاً مُضاعَفَةً حال من الربا- والأضعاف- جمع ضعف وضعف الشيء مثله، وضعفاه مثلاه، وأضعافه أمثاله، وقال بعض المحققين: الضعف اسم ما يضعف الشيء كالثني اسم ما يثنيه من ضعفت الشيء بالتخفيف فهو مضعوف- على ما نقله الراغب- بمعنى ضعفته، وهو اسم يقع على العدد بشرط أن يكون معه عدد آخر فأكثر والنظر فيه إلى فوق بخلاف الزوج فإن النظر فيه إلى ما دونه فإذا قيل: ضعف العشرة لزم أن تجعلها عشرين بلا خلاف لأنه أول مراتب تضعيفها، ولو قال: له عندي ضعف درهم لزمه درهمان ضرورة الشرط المذكور كما إذا قيل: هو أخو زيد اقتضى أن يكون زيد أخاه وإذا لزم المزاوجة دخل في الإقرار، وعلى هذا له ضعفا درهم منزل على ثلاثة دراهم وليس ذلك بناء على ما يتوهم أن ضعف الشيء موضوعه مثلاه وضعفيه ثلاثة أمثاله، بل ذلك لأن موضوعه المثل بالشرط المذكور.
وهذا معزى الفقهاء في الأقارير والوصايا، ومن البين أنهم ألزموا في ضعفي الشيء ثلاثة أمثاله ولو كان موضوع الضعف المثلين لكان الضعفان أربعة أمثال- وليس مبناه العرف العامي بل الموضوع اللغوي- كما قال الأزهري.
ومن هنا ظهر أنه لو قال: له الضعفان درهم ودرهم أو الضعفان من الدراهم لم يلزم إلا درهمان كما لو قال الأخوان، ثم قال والحاصل أن تضعيف الشيء ضم عدد آخر إليه وقد يزاد وقد ينظر إلى أول مراتبه لأنه المتيقن، ثم إنه قد يكون الشيء المضاعف مأخوذا معه فيكون ضعفاه ثلاثة وقد لا يكون فيكون اثنين وهذا كله موضوع له في اللغة لا العرف، وليس هذه الحال لتقييد المنهي عنه ليكون أصل الربا غير منهي بل لمراعاة الواقع، فقد روى غير واحد أنه كان الرجل يربي إلى أجل فإذا حل قال للمدين: زدني في المال حتى أزيدك بالأجل فيفعل وهكذا عند كل أجل فيستغرق بالشيء الضعيف ما له بالكلية فنهوا عن ذلك ونزلت الآية، وقرئ- «مضعفة» - بلا ألف مع تشديد العين.
وَاتَّقُوا اللَّهَ أي فيما نهيتم عنه ومن جملته أكل الربا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي لكي تفلحوا أو راجين الفلاح، فالجملة حينئذ في موضع الحال قيل: ولا يخفى أن اقتران الرجاء بالتخويف يفيد أن العبد ينبغي أن يكون بين الرجاء والخوف فهما جناحاه اللذان يطير بهما إلى (١) حضائر القدس وَاتَّقُوا النَّارَ أي احترزوا عن متابعة المرابين وتعاطى ما يتعاطونه من أكل الربا المفضي إلى دخول النار الَّتِي أُعِدَّتْ أي هيئت لِلْكافِرِينَ وهي الطبقة التي اشتد حرها وتضاعف عذابها وهي غير النار التي يدخلها عصاة أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فإنها دون ذلك، وفيه إشارة إلى أن أكلة الربا على شفا حفرة الكفرة، ويحتمل أن يقال: إن النار مطلقا مخلوقة للكافرين معدّة لهم أولا وبالذات، وغيرهم يدخلها على وجه التبع فالصفة ليست للتخصيص، وإلى هذا ذهب الجل من العلماء، روي عن الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه أنه كان يقول: إن هذه الآية هي أخوف آية في القرآن حيث أوعد الله تعالى المؤمنين بالنار المعدّة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه وليس بنص في التخصيص وَأَطِيعُوا اللَّهَ في جميع ما أمركم به ونهاكم عنه فلا يتكرر مع الأمر بالتقوى السابق وَالرَّسُولَ أي الذي شرع لكم الدين وبلغكم الرسالة فإن طاعته طاعة الله تعالى.
لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لكي تنالوا رحمة الله تعالى أو راجين رحمته، وعقب الوعيد بالوعد ترهيبا عن المخالفة وترغيبا في الطاعة، قال محمد بن إسحاق: هذه الآية معاتبة للذين عصوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين أمرهم بما أمرهم في أحد ولعلهم الرماة الذين فارقوا المركز وَسارِعُوا عطف على أطيعوا أو اتقوا.
(١) قوله: (حضائر) هو في خط المؤلف رحمه الله بالضاد الساقطة كتبه مصححه.