كانطفاء السراج عند نفاد دهنه فحصل الموت الطبيعي وهو مختلف بحسب اختلاف الأمزجة وهو في الإنسان في الأغلب تمام مائة وعشرين سنة.
وقد يعرض من الآفات مثل البرد المجمد والحرب المذوب وأنواع السموم وأنواع تفرق الاتصال وسوء المزاج ما يفسد البدن ويخرجه عن صلاحه لقبول الحياة إذ شرطها اعتدال المزاج فيهلك بسببه وهذا هو الأجل الاخترامي، ويردد ذلك أنه مبني على قواعدهم من تأثير الطبيعة والمزاج وهو باطل عندنا إذ لا تأثير إلا له سبحانه وتلك الأمور عندنا أسباب عادية لا عقلية كما زعموا، وادعى بعض المحققين أن النزاع بيننا وبين الفلاسفة كالنزاع بيننا وبين المعتزلة- على رأي الأستاذ- لفظي إذ هم لا ينكرون القضاء والقدر فالوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه بأي سبب كان واحد عندهم أيضا، وما ذكروه من الأجل الطبيعي نحن لا ننكره أيضا لكنهم يجعلون اعتدال المزاج واستقامة الحرارة والرطوبة ونحو ذلك شروطا حقيقية عقلية لبقاء الحياة ونحن نجعلها أسبابا عادية وذلك بحث آخر وسيأتي تتمة الكلام على هذه المسألة إذ الأمور مرهونة لأوقاتها ولكل أجل كتاب.
وَمَنْ يُرِدْ أي بعمله كالجهاد ثَوابَ الدُّنْيا كالغنيمة نُؤْتِهِ بنون العظمة على طريق الالتفات مِنْها أي شيئا من ثوابها إن شئنا فهو على حدّ قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ [الإسراء: ١٨] وهذا تعريض بمن شغلتهم الغنائم يوم أحد عن مصلحة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد تقدم تفصيل ذلك.
وَمَنْ يُرِدْ أي بعمله كالجهاد أيضا والذب عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم.
ثَوابَ الْآخِرَةِ مما أعد الله تعالى لعباده فيها من النعيم نُؤْتِهِ مِنْها أي من ثوابها ما نشاء حسبما جرى به قلم الوعد الكريم، وهذا إشارة إلى مدح الثابتين يومئذ مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، والآية وإن نزلت في الجهاد خاصة لكنها عامة في جميع الأعمال وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ يحتمل أنه أريد بهم المريدون للآخرة، ويحتمل أنه أريد بهم جنس الشاكرين وهم داخلون فيه دخولا أوليا.
والجملة تذييل مقرر لمضمون ما قبله ووعد بالمزيد عليه وفي تصديرها بالسين وإبهام الجزاء من التأكيد والدلالة على فخامة شأن الجزاء وكونه بحيث يضيق عنه نطاق البيان ما لا يخفى، وبذلك جبر اتحاد العبادتين في شأن الفريقين واتضح الفرق لذي عينين، وقرئت الأفعال الثلاثة بالياء.
هذا (ومن باب الإشارة) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً إما إشارة إلى الأمر بالتوكل على الله تعالى في طلب الرزق والانقطاع إليه، أو رمز إلى الأمر بالإحسان إلى عباد الله المحتاجين من غير طلب نفع منهم،
فقد ورد في بعض الآثار أن القرض أفضل من الصدقة،
أو إيماء إلى عدم طلب الأجر على الأعمال بأن يفعلها محضا لإظهار العبودية وَاتَّقُوا اللَّهَ من أكل الربا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ أي تفوزون بالحق وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ أي اتقوني في النار لأن إحراقها وعذابها مني، وهذا سرّ عين الجمع قالوا: ويرجع في الحقيقة إلى تجلي القهر وهو بظاهره تخويف للعوام والتخويف الأول للخواص، وقليل ما هم وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وهي ستر أفعالكم التي هي حجابكم الأعظم عن رؤية الحق وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وهي جنة توحيد الأفعال وهو توحيد عالم الملك، ولذا ذكر سبحانه السموات والأرض وذكر العرض دون الطول لأن الأفعال باعتبار السلسلة العرضية وهي توقف كل فعل على فعل آخر تنحصر في عالم الملك الذي تصل إليه أفهام الناس ويقدرونه، وأما باعتبار الطول فلا تنحصر فيه ولا يقدر قدرها إذ الفعل مظهر الوصف، والوصف مظهر الذات، والذات لا نهاية لها ولا حد وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ فالمحجوبون عن الذات والصفات لا يرون إلا هذه الجنة، وأما البارزون لله الواحد القهار