قلوبنا وإمدادنا بالمدد الروحاني من عندك وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ تقريبا له إلى حيز القبول فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة.
ومن الناس من قال: المراد من- ثبت أقدامنا- ثبتنا على دينك الحق فيكون تقديم طلب المغفرة على هذا التثبيت من باب تقديم التخلية على التحلية وتقديمهما على طلب النصرة لما تقدم، وقيل: إنهم طلبوا الغفران أولا ليستحقوا طلب النصر على الكافرين بترجحهم بطهارتهم عن الذنوب عليهم وهم محاطون بالذنوب، وفي طلبهم النصر مع كثرتهم المفرطة التي دل عليها ما سبق إيذان بأنهم لا ينظرون إلى كثرتهم ولا يعوّلون عليها بل يسندون ثبات أقدامهم إلى الله تعالى ويعتقدون أن النصر منه سبحانه وتعالى، وفي الاخبار عنهم بأنه ما كان قولهم إلا هذا دون ما فيه شائبة جزع وخور وتزلزل من التعريض بالمنهزمين ما لا يخفى، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية عنهما برفع «قولهم» على أنه الاسم والخبر إن وما في حيزها أي ما كان قولهم شيئا من الأشياء إلا هذا القول المنبئ عن أحاسن المحاسن، قال مولانا شيخ الإسلام: وهذا كما ترى أقعد بحسب المعنى وأوفق بمقتضى المقام لما أن الأخبار بكون قولهم المطلق خصوصية قولهم المحكي عنهم مفصلا كما تفيده قراءتهما أكثر إفادة للسامع من الإخبار بكون خصوصية قولهم المذكور قولهم لما أن مصب الفائدة وموقع البيان في الجمل الخبرية هو الخبر، فالأحق بالخبرية ما هو أكثر إفادة وأظهر دلالة على الحدث وأوفر اشتمالا على نسب خاصة بعيدة من الوقوع في الخارج وفي ذهن السامع، ولا يخفى أن ذلك هاهنا في أن مع ما في حيزها أتم وأكمل، وأما ما تفيده الإضافة من النسبة المطلقة الإجمالية فحيث كانت سهلة الحضور خارجا وذهنا كان حقها أن تلاحظ ملاحظة إجمالية وتجعل عنوانا للموضوع لا مقصودا بالذات في باب البيان، وإنما اختار الجمهور ما اختار والقاعدة صناعية هي أنه إذا اجتمع معرفتان فالأعرف منهما أحق بالاسمية، ولا ريب في أعرفية أَنْ قالُوا لدلالته على جهة النسبة وزمان الحدث ولأنه يشبه المضمر من حيث إنه لا يوصف ولا يوصف به، وقَوْلَهُمْ مضاف إلى مضمر وهو بمنزلة العلم فتأمل انتهى.
وقال أبو البقاء: جعل ما بعد إلا اسما لكان، والمصدر الصريح خبرا لها أقوى من العكس لوجهين: أحدهما أن أَنْ قالُوا يشبه المضمر في أنه لا يوصف وهو أعرف، والثاني أن ما بعد إِلَّا مثبت، والمعنى كان قولهم ربنا اغفر لنا ذنوبنا إلخ دأبهم في الدعاء، وقال العلامة الطيبي: كأن المعنى ما صح ولا استقام من الربانيين في ذلك المقام إلا هذا القول وكأن غير هذا القول مناف لحالهم، وهذه الخاصية يفيدها إيقاع أَنْ مع الفعل اسما لكان، وتحقيقه ما ذكره صاحب الانتصاف من أن فائدة دخول كانَ المبالغة في نفي الفعل الداخل عليه بتعديد جهة فعله عموما باعتبار الكون وخصوصا باعتبار خصوصية المقال فهو نفي مرتين، ثم قال: فعلى هذا لو جعلت رب الجملة أَنْ قالُوا واعتمدت عليه وجعلت قَوْلَهُمْ كالفضلة حصل لك ما قصدته ولو عكست ركبت التعسف، ألا ترى إلى أبي البقاء كيف جعل الخبر نسيا منسيا في الوجه الثاني واعتمد على ما بعد إِلَّا انتهى.
ومنه يعلم ما في كلام مولانا شيخ الإسلام فإنه متى أمكن اعتبار جزالة المعنى مع مراعاة القاعدة الصناعية لا يعدل عن ذلك إلى غيره لا سيما وقد صرحوا بأن جعل الاسم غير الأعرف ضعيف، قال في المغني: واعلم أنهم حكموا لأن وإن- المقدرتين بمصدر معرف بحكم الضمير لأنه لا يوصف كما أن الضمير أيضا كذلك فلهذا قرأت السبعة ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا [الجاثية: ٢٥] فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا [الأعراف: ٨٢، النمل:
٥٦، العنكبوت: ٢٤، ٢٩] والرفع ضعيف كضعف الاخبار بالضمير عما دونه في التعريف انتهى، وعلل بعضهم أعرفية المصدر المؤول بأنه لا ينكر.