وتنازعكم إلخ، وثُمَّ صَرَفَكُمْ حينئذ عطف على ذلك، وهاتان الجملتان الظرفيتان اعتراض بين المتعاطفين وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ بمحض التفضل أو لما علم من عظيم ندمكم على المخالفة، قيل: والمراد بذلك العفو عن الذنب وهو عام لسائر المنصرفين.
ويؤيد ذلك ما
أخرجه البخاري عن عثمان بن موهب قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما فقال:
إني سائلك عن شيء فحدثني به أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان بن عفان فرّ يوم أحد؟ قال: نعم قال: فتعلمه تغيب عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم، قال: فتعلم أنه تخلف عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم فكبر فقال ابن عمر: تعال لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله تعالى عفا عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه.
وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث عثمان فكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بيده اليمنى وضرب بها على يده فقال:
هذه يد عثمان اذهب بها الآن معك،
وقال البلخي: إنه عفو عن الاستئصال، وروي ذلك عن ابن جريج، وزعم أبو علي الجبائي أنه خاص بمن لم يعص الله تعالى بانصرافه والكل خلاف الظاهر. وقد يقال: الداعي لقول البلخي: إن العفو عن الذنب سيأتي ما يدل عليه بأصرح وجه، والتأسيس خير من التأكيد، وكلام ابن عمر رضي الله تعالى عنه ليس فيه أكثر من أن الله تعالى عفا عن ذنب الفارّين وهو صريح الآية الآتية، وأما أنه يفهم منه ولو بالإشعار أن المراد من العفو هنا العفو عن الذنب فلا أظن منصفا يدعيه.
وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه إيذان بأن ذلك العفو ولو كان بعد التوبة بطريق التفضل لا الوجوب أي شأنه أن يتفضل عليهم بالعفو أو في جميع الأحوال أديل لهم أو أديل عليهم إذ الابتلاء أيضا رحمة، والتنوين للتفخيم، والمراد بالمؤمنين إما المخاطبون والإظهار في مقام الإضمار للتشريف والإشعار بعلة الحكم، وإما الجنس ويدخلون فيه دخولا أوليا ولعل التعميم هنا وفيما قبله أولى من التخصيص، وتخصيص الفضل بالعفو أولى من تخصيصه بعدم الاستئصال كما زعمه البعض إِذْ تُصْعِدُونَ متعلق بصرفكم أو يبتليكم وتعلقه- بعفا- كما قال الطبرسي: ليس بشيء، ومثله تعلقه كما قال أبو البقاء، بعصيتم: أو تَنازَعْتُمْ أو فَشِلْتُمْ، وقيل:
متعلق بمقدر كاذكر، واستشكل بأنه يصير المعنى اذكر يا محمد إِذْ تُصْعِدُونَ وفيه خطابان بدون عطف، فالصواب اذكروا.
وأجيب بأن المراد- باذكر- جنس هذا الفعل فيقدر- اذكروا- لا اذكر، ويحتمل أنه من قبيل يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الطلاق: ١] ولا يخفى أنه خلاف الظاهر، وأجاب الشهاب بأن اذكر متضمن لمعنى القول، والمعنى قل لهم يا محمد حين يصعدون إلخ ومثله لا منع فيه كما تقول لزيد: أتقول كذا فإن الخطاب المحكي مقصود لفظه فلا ينافي القاعدة المذكورة وهم غفلوا عنه فتأمل، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر أيضا، والإصعاد الذهاب والإبعاد في الأرض، وفرق بعضهم بين الإصعاد والصعود بأن الإصعاد في مستوى الأرض والصعود في ارتفاع، وقيل: لا فرق بين أصعد وصعد سوى أن الهمزة في الأول للدخول نحو أصبح إذا دخل في الصباح والأكثرون على الأول، وقرأ الحسن فيما أخرجه ابن جرير عنه تُصْعِدُونَ بفتح التاء والعين، وحمله بعضهم على صعود الجبل، وقرأ أبو حيوة تُصْعِدُونَ بفتح التاء وتشديد العين وهو إما من تصعد في السلم إذا رقي أو من صعد في الوادي تصعيدا إذا انحدر