للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه، فقد قال الأخفش: أصعد في الأرض إذا مضى وسار وأصعد في الوادي وصعد فيه إذا انحدر. وأنشد:

فإما تريني اليوم مزجي ظعينتي ... «أصعد» طورا في البلاد وأفرع

وقال الشماخ:

فان كرهت هجائي فاجتنب سخطي ... لا يدهمنك إفراعي «وتصعيدي»

وورد عن غير واحد أن القوم لما امتحنوا ذهبوا فرارا في وادي أحد، وقال أبو زيد: يقال صعد في السلم صعودا وصعد في الجبل أو على الجبل تصعيدا ولم يعرفوا فيه صعد، وقرأ أبيّ إِذْ تُصْعِدُونَ في الوادي وهي تؤيد قول من قال: إن الإصعاد الذهاب في مستوى الأرض دون الارتفاع، وقرئ- يصعدون- بالياء التحتية وأمر تعلق إذ باذكر عليه ظاهر وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ أي لا تقيمون على أحد ولا تعرجون وهو من لوى بمعنى عطف وكثيرا ما يستعمل بمعنى وقف وانتظر لأن من شأن المنتظر أن يلوي عنق، وفسر أيضا بلا ترجعون وهو قريب من ذلك، وذكر الطبرسي أن هذا الفعل لا يذكر إلا في النفي فلا يقال لويت على كذا، وقرأ الحسن تلون بواو واحدة بقلب الواو المضمومة همزة وحذفها تخفيفا.

وقرئ تَلْوُونَ بضم التاء على أنه من ألوى لغة في لوى، ويلوون بالياء كيصعدون قال أبو البقاء ويقرأ عَلى أَحَدٍ بضمتين- وهو الجبل- والتوبيخ عليه غير ظاهر، ووجهه بعضهم بأن المراد أصحاب أحد أو مكان الوقعة، وفيه إشارة إلى إبعادهم في استشعار الخوف وجدهم في الهزيمة حتى لا يلتفتون إلى نفس المكان.

وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ أي يناديكم في ساقتكم أو جماعتكم الأخرى أو يدعوكم من ورائكم فإنه يقال: جاء فلان في آخر الناس وأخرتهم وأخراهم إذا جاء خلفهم، وإيراده عليه الصلاة والسلام بعنوان الرسالة للإيذان بأن دعوته صلى الله تعالى عليه وسلم كانت بطريق الرسالة من جهته تعالى مبالغة في توبيخ المنهزمين،

روي أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان ينادي إليّ عباد الله إليّ عباد الله أنا رسول الله من يكر فله الجنة

وكان ذلك حين انهزم القوم وجدوا في الفرار قبل أن يصلوا إلى مدى لا يسمع فيه الصوت فلا ينافي ما تقدم

عن كعب بن مالك أنه لما عرف رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونادى بأعلى صوته يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أشار إليه رسول الله عليه الصلاة والسلام أن انصت

لأن ذلك كان آخر الأمر حيث أبعد المنهزمون، والجملة في موضع الحال فَأَثابَكُمْ عطف على صَرَفَكُمْ والضمير المستتر عائد على الله تعالى، والتعبير بالإثابة من باب التهكم على حد قوله: تحية بينهم ضرب وجيع- أو أنها مجاز عن المجازاة أي فجازاكم الله تعالى بما عصيتم غَمًّا بِغَمٍّ أي كربا بكرب والأكثرون على أنه لا فرق بين الغم والحزن، والباء إما للمصاحبة والظرف مستقر أي جازاكم غَمًّا متصلا بِغَمٍّ والغم الأول ما حصل لهم من القتل والجرح وغلبة المشركين عليهم، والغم الثاني ما حصل لهم من الإرجاف بقتل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفوت الغنيمة، وإلى هذا ذهب قتادة والربيع.

وقيل: الغم الثاني إشراف أبي سفيان وأصحابه عليهم وهم مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على الصخرة وحكي ذلك عن السدي، وقيل: المراد مجرد التكثير أي جازاكم بغموم كثيرة متصل بعضها ببعض، وإما للسببية والظرف متعلق- بأثابكم- والغم الأول للصحابة رضي الله تعالى عنهم بالقتل نحوه، والغم الثاني للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم بمخالفة أمره أي أثابكم غما بسبب غم أذقتموه رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعصيانكم له ومخالفتكم أمره، وقال الحسن بن علي المغربي: الغم الأول للمشركين بما رأوا من قوة المسلمين على طلبهم وخروجهم إلى حمراء

<<  <  ج: ص:  >  >>