أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ [البقرة: ١٩٨] وكقولك إذا طلع هلال المحرم: أتيتك في منتصفه.
وقال الزجاج: إِذا هنا تنوب عما مضى من الزمان وما يستقبل يعني أنها لمجرد الوقت أو لقصد الاستمرار والذي يقتضيه النظر الصائب أن لا يجعل إِذا ضَرَبُوا ظرفا لقالوا بل ظرف لما يحصل للإخوان حين يقال لأجلهم وفي حقهم ذلك كأنه قيل: قالوا لأجل الأحوال العارضة للإخوان إِذا ضَرَبُوا بمعنى حين كانوا يضربون قاله العلامة الثاني، وأنت تعلم أن تجريد إِذا عن معنى الاستقبال وجعلها بمعنى الوقت مطلقا كاف في توجيه الآية مزيل لاشكالها، وقصد الاستمرار منها لا يدفع الاعتراض عن ذلك التوجيه لأنها إذا كانت للاستمرار تشمل الماضي فلا تكون لحكاية الحال وكذا إذا كان قالوا جوابا إذ يصير مستقبلا فلا تتأتى فيه الحكاية المذكورة أيضا ويرد على ما اقتضاه النظر الصائب أن دون إثبات صحة مثله في العربية خرط القتاد، وأقعد منه- وإن كان بعيدا- ما قاله أبو حيان من أنه يمكن إقرار إِذا على الاستقبال بأن يقدر العامل فيها مضاف مستقبل على أن ضمير لو كانوا عائدا على إخوانهم لفظا لا معنى على حد عندي درهم ونصفه، والتقدير وَقالُوا مخافة هلاك إخوانهم إِذا ضَرَبُوا أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا أي إخواننا الآخرون الذين تقدم موتهم وقتلهم عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا فتكون هذه المقالة تثبيطا لإخوانهم الباقين عن السفر والغزو لئلا يصيبهم ما أصاب الأولين وإنما لم يحملوا إِذا هنا على الحال كما قيل بحملها عليه بعد القسم نحو وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: ١] لتصفوا لهم دعوى حكاية الحال عن الكدر لأن ذلك غير مسلم عند المحققين هناك فقد صححوا فيه بقاءها على الاستقبال من غير محذور، وجوز في الآية كون قالوا بمعنى يقولون وقد جاء في كلامهم استعمال الماضي بمعنى المستقبل ومنه قوله:
وإني لآتيكم تشكر ما مضى ... من الأمر واستيجاب ما كان في غد
وكذا جوز بقاؤه على معناه وحمل إِذا على الماضي فإنها تجيء له كما جاءت إذا للمستقبل في قول البعض وذلك كقوله تعالى: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها [الجمعة: ١١] ، وقوله:
وندمان يزيد الكأس طيبا ... سقيت «إذا» تغورت النجوم
وحينئذ لا منافاة بين زماني القيد والمقيد فتدبر ذلك كله، والجملة المعينة لوجه الشبه والمماثلة التي نهوا عنها هي الجملة المعطوفة على جملة الصلة والمعنى لا تتشبهوا بالكفار في قولهم لإخوانهم إذا سافروا أَوْ كانُوا غُزًّى جمع غاز كعاف وعفى وهو من نوادر الجمع في المعتل، واستشهد عليه بعضهم بقول امرئ القيس:
ومغبرة الآفاق خاشعة الصوى ... لها قلب «عفّى» الحياض أجون
ويجمع على غزاة كقاض وقضاة، وعلى غزى مثل حاج وحجيج وقاطن وقطين، وعلى غزاء مثل فاسق وفساق، وأنشدوا له قول تأبط شرا.
فيوما «بغزاء» ويوما بسرية ... ويوما بخشخاش من الرجل هيضل
وعلى غازون مثل ضارب وضاربون، وهو منصوب بفتحة مقدرة على الألف المنقلبة عن الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين إذ أصله غزوا تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفا ثم حذفت، وقرئ بتخفيف الزاي قال أبو البقاء: وفيه وجهان، الأول: أن أصله غزاة فحذفت الهاء تخفيفا لأن التاء دليل الجمع، وقد حصل من نفس الصيغة.
(والثاني) : أنه أريد قراءة الجمهور فحذفت إحدى الزاءين كراهية التضعيف وذكر هذا الشق مع دخوله فيما قبله لأنه المقصود في المقام وما قبله توطئة له على أنه قيل: قد يوجد بدون الضرب في الأرض بناء على أن المراد به