لكن ندمهم على الخروج من المدينة يقتضيه، وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة- غير عاصم- يعملون بالياء، وضمير الجمع حينئذ للكفار، والعمل عام متناول للقول المذكور ولمنشئه الذي هو الاعتقاد الفاسد ولما ترتب على ذلك من الأعمال ولذلك تعرض لعنوان البصر لا لعنوان السمع وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة وكذا تقديم الظرف.
هذا (ومن باب الإشارة) وَكَأَيِّنْ وكم مِنْ نَبِيٍّ مرتفع القدر جليل الشأن وهو في الأنفس الروح القدسية قاتَلَ مَعَهُ عدو الله تعالى أعني النفس الأمارة رِبِّيُّونَ متخلقون بأخلاق الرب وهم القوى الروحانية فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وطريق الوصول إليه من تعب المجاهدات وَما ضَعُفُوا في طلب الحق وَمَا اسْتَكانُوا وما خضعوا للسوى وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ على مقاساة الشدائد في جهاد النفس وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا استر لنا وجوداتنا بإفاضة أنوار الوجود الحقيقي علينا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا أي تجاوزنا حدود ظاهر الشريعة عند صدمات التجليات وَثَبِّتْ أَقْدامَنا في مواطن حروب أنفسنا وَانْصُرْنا بتأييدك وإمدادك عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ الساترين لربوبيتك فَآتاهُمُ اللَّهُ بسبب دعائهم بألسنة الاستعدادات والانقطاع إليه تعالى ثَوابَ الدُّنْيا وهو مرتبة توحيد الأفعال وتوحيد الصفات وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وهو مقام توحيد الذات وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في الطلب الذين لا يلتفتون إلى الأغيار يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا الإيمان الحقيقي إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا وهم النفوس الكافرة وصفاتها يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ إلى أسفل سافلين وهو سجين البهيمية فَتَنْقَلِبُوا ترجعوا القهقري خاسِرِينَ أنفسكم بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ ناصركم وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ لمن عول عليه وقطع نظره عمن سواه سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ أي الخوف بِما أَشْرَكُوا أي بسبب إشراكهم بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ أي بوجوده سُلْطاناً أي حجة إذ لا حجة على وجوده حتى ينزلها لتحقق عدمه بحسب ذاته، وجعل سبحانه إلقاء الرعب في قلوبهم مسببا عن شركهم لأن الشجاعة وسائر الفضائل اعتدالات في قوى النفس عند تنورها بنور القلب المنور بنور التوحيد فلا تكون تامة حقيقية إلا للموحد الموقن، وأما المشرك فمحجوب عن منبع القوة بما أشرك ما لا وجود ولا ذات في الحقيقة له فهو ضعيف عاذ بقر ملة وَمَأْواهُمُ النَّارُ وهي نار الحرمان وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ الذين وضعوا الشيء في غير موضعه وعبدوا أسماء سموها ما أنزل الله تعالى بها من كتاب وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ المشروط بالصبر والتقوى إِذْ تَحُسُّونَهُمْ أي تقتلون جنود الصفات البشرية قتلا ذريعا بِإِذْنِهِ وأمره لا على وفق الطبع حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ جبنتم عند تجلي الجلال وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وخالفتم في أمر الطلب وَعَصَيْتُمْ المرشد المربي مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ من الفوز بأنوار الحضرة مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا لقصور همته وضعف رأيه وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ لطول باعه وقوة عقله ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أي عن أعداء نفوسكم وجنودها لِيَبْتَلِيَكُمْ أي يمتحنكم بالستر بعد التجلي بأنوار المشاهدات والصحو بعد السكر بأقداح الواردات والفطام بعد إرضاع ألبان الملاطفات كما يقتضي ذلك الجلال وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ بعد ذلك فانقطعتم إليه كما هو مقتضى الجمال وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ على المؤمنين في طوري التقريب والإبعاد، وما ألطف قول من قال:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازما ... فليقس أحيانا على من يرحم
إِذْ تُصْعِدُونَ في جبل التوجه إلى الحق وَلا تَلْوُونَ أي لا تلتفتون عَلى أَحَدٍ من الأمرين الدنيا والآخرة وَالرَّسُولُ أي رسول الواردات يَدْعُوكُمْ إليّ عباد الله إليّ عباد الله فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ فجازاكم بدل غم الدنيا والآخرة بغم طلب الحق لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ من زخارف الدنيا وَلا ما أَصابَكُمْ من صدمات تجلي القهر وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ لأنه سبحانه أقرب إليكم منكم ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً