أي واردا من ألطافه ظهر في صورة النعاس وهو السكينة الرحمانية يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وهم الصادقون في الطلب وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ وهم أرباب النفوس فإنهم لا هم لهم سوى حظ نفوسهم واستيفاء لذاتها يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ بمقتضى سوء استعدادهم يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ أي إن الخلق حالوا بيننا وبين التدبير ولو لم يحولوا لفعلنا ما به صلاحنا قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ فهو المتصرف وحده حسبما يقتضيه الاستعداد فلا تدبير مع تدبيره ولا وجود لأحد سواه يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ الخبيثة ما لا يُبْدُونَ بزعمهم لك أيها المرشد الكامل يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا بسيف الشهوات هاهُنا أي في هذه النشأة قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وهي منازل العدم الأصلي قبل ظهور هذه التعينات لَبَرَزَ على حسب العلم الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ في لوح الأزل إِلى مَضاجِعِهِمْ وهي بيداء الشهوات، فقد قال سبحانه: ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها [الحديد: ٢٢] أي نظهرها بهذا التعين، وإنما فعل سبحانه ما فعل لحكم شتى وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ تعالى ما فِي صُدُورِكُمْ أي ليمتحن ما في استعدادكم من الصدق والإخلاص والتوكل ونحو ذلك من الأخلاق ويخرجها من القوة إلى الفعل وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ أي يخلص ما برز من مكمن الصدر إلى مخزن القلب من غش الوساوس وخواطر النفس فإن البلاء سوط يسوق الله تعالى به عباده إليه، ولهذا
ورد «أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل»
ولله تعالى در من قال:
لله در النائبات فإنها ... صدأ اللئام وصيقل الأحرار
ما كنت إلا زبرة فطبعنني ... سيفا وأطلع صرفهن غراري
وذلك لأنهم حينئذ ينقطعون إلى الحق ولا يظهر على كل منهم إلا ما في مكمن استعداده كما قيل: عند الامتحان يكرم الرجل أو يهان، والخطاب في كلا الموضعين للمؤمنين، وقيل: إن الخطاب الأول للمنافقين، والثاني للمؤمنين وأنه سبحانه إنما خص الصدور بالأولين لأن الصدر معدن الغل والوسوسة فهو أوفق بحال المنافقين، وخص القلوب بالآخرين لأن القلب مقر الإيمان والاطمئنان وهو أوفق بحال المؤمنين وأن نسبة الإسلام باللسان إلى الإيمان بالجنان كنسبة الصدر إلى القلب قيل: ولهذا قال سبحانه: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ بناء على أن المراد به الترهيب والتحذير عن الاتصال بما لا يرضى من تلك الصفات التي يكون الصدر مكمنا لها إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ جمع الروح وقواها وجمع النفس وقواها إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا من الذنوب لأنها تورث الظلمة والشيطان لا مجال له على ابن آدم بالتزيين والوسوسة إلا إذا وجد ظلمة في القلب، ولك أن تبقي الجمعين على ظاهرهما وباقي الإشارة بحاله وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ حين استنارت قلوبهم بنور الندم والتوبة إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ وبمقتضى ذلك ظهرت المخالفات وأردفت بالتوبة ليكون ذلك مرآة لظهور صفات الله تعالى.
ومن هنا جاء «لو لم تذنبوا لأتى الله تعالى بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم» .
وحكي أن إبراهيم بن أدهم رضي الله تعالى عنه أكثر ليلة في الطواف من قوله: اللهم اعصمني من الذنوب فسمع هاتفا من قلبه يقول: يا إبراهيم أنت تسأله العصمة وكل عباده يسألونه العصمة فإذا عصمكم على من يتفضل وعلى من يتكرم يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا برؤية الأغيار واعتقاد تأثير السوي، وقالوا لأجل إخوانهم إذا ضربوا في الأرض إذا فارقوهم بترك ما هم عليه وسافروا في أرض نفوسهم وسلكوا سبيل الرشاد أَوْ كانُوا غُزًّى أي مجاهدين مع أعدى أعدائهم وهي نفوسهم التي بين جنوبهم وقواها وجنودها من الهوى والشيطان لَوْ كانُوا مقيمين عِنْدَنا موافقين لنا ما ماتُوا بمقاساة الرياضة وَما قُتِلُوا بسيف المجاهدة، ولاستراحوا من هذا