وقلنا: بجواز عطف الإنشاء على الإخبار فيما له محل من الإعراب لكونهما حينئذ في حكم المفردين فأمر العطف ظاهر من غير تكلف التأويل لأن الجملة المعطوف عليها في محل نصب مفعول قالُوا لكن القول بجواز هذا العطف بدون التأويل عند الجمهور ممنوع لا بد له من شاهد ولم يثبت.
وإن كان الثاني وقلنا بجواز عطف الإنشاء على الإخبار مطلقا- كما ذهب إليه الصفار- أو قلنا: بجواز عطف القصة على القصة أعني عطف حاصل مضمون إحدى الجملتين على حاصل مضمون الأخرى من غير نظر إلى اللفظ- كما أشار إلى ذلك العلامة الثاني- فالأمر أيضا ظاهر، وإن قلنا: بعدم جواز ذلك- كما ذهب إليه الجمهور- فلا بد من التأويل إما في جانب المعطوف عليه أو في جانب المعطوف، والذاهبون إلى الأول قالوا: إن الجملة الأولى وإن كانت خبرية صورة لكن المقصود منها إنشاء التوكل أو الكفاية لا الإخبار بأنه تعالى كاف في نفس الأمر، والذاهبون إلى الثاني اختلفوا فمنهم من قدر قلنا أي- وقلنا نعم الوكيل.
واعترض بأنه تقدير لا ينساق الذهن إليه ولا دلالة للقرينة عليه مع أنه لا يوجد بين الأخبار بأن الله تعالى كافيهم والاخبار بأنهم قالوا- نعم الوكيل- مناسبة معتد بها يحسن بسببها العطف بينهما، ومنهم من جعل مدخول الواو معطوفا على ما قبله بتقدير المبتدأ إما مؤخرا لتناسب المعطوف عليه فإن حَسْبُنَا خبر، واللَّهُ مبتدأ بقرينة ذكره في المعطوف عليه ومجيء حذفه في الاستعمال وانتقال الذهن إليه، وإما مقدما رعاية لقرب المرجع مع ما سبق.
واعترض بأنه لا يخفى أنه بعد تقدير المبتدأ لو لم يؤول- نعم الوكيل- بمقول في حقه ذلك تكون الجملة أيضا إنشائية إذ الجملة الاسمية التي خبرها إنشاء إنشائية كما أن التي خبرها فعل فعلية بحسب المعنى كيف لا ولا فرق بين- نعم الرجل زيد، وزيد نعم الرجل- في أن مدلول كل منهما نسبة غير محتملة للصدق والكذب، وبعد التأويل لا يكون المعطوف جملة- نعم الوكيل- بل جملة متعلق خبرها- نعم الوكيل- والإشكال إنما هو في عطف- نعم الوكيل- إلا أن يقال يختار هذا، ويقال: الجواب عن شيء قد يكون بتقرير ذلك الشيء وإبداء شيء آخر وقد يكون بتغيير ذلك الشيء، وما هاهنا من الثاني فمن حيث الظاهر المعطوف هو جملة- نعم الوكيل- فيعود الإشكال، ومن حيث الحقيقة هو جملة هو مقول فلا إشكال لكن يرد أنه بعد التأويل يفوت إنشاء المدح العام الذي وضع أفعال المدح له بل يصير للإخبار بالمدح الخاص، وهو أنه مقول في حقه- نعم الوكيل- وأيضا مقولية المقول المذكور فيه إنما تكون بطريق الحمل والإخبار عنه- بنعم الوكيل- فلا بد من تقدير مقول في حقه مرة أخرى، ويلزم تقديرات غير متناهية وكأنه لهذا لم يؤول الجمهور الإنشاء الواقع خبرا بذلك وإنما هو مختار السعد رحمه الله تعالى، وقد جوز بعضهم على تقدير كون الواو من المحكي عطف- نعم الوكيل- على حَسْبُنَا باعتبار كونه في معنى الفعل كما عطف جَعَلَ على فالِقُ في قوله تعالى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً [الأنعام: ٦٩] على رأي فحينئذ يكون من عطف الجملة التي لها محل من الإعراب على المفرد لأنه إذ ذاك خبر عن المفرد، وبعض المحققين يجوزون ذلك لا من عطف الإنشاء على الاخبار- وهذا وإن كان في الحقيقة لا غبار عليه- إلا أن أمر العطف على الخبر بناء على ما ذكره الشيخ الرضي من أن نعم الرجل بمعنى المفرد وتقديره أي رجل جيد- أظهر كما لا يخفى، ومن الناس من ادعى أن الآية شاهد على جواز عطف الإنشاء على الاخبار فيما له محل من الإعراب بناء على أن الواو من الحكاية لا غير.
ولا يخفى عليك أنه بعد تسليم كون الواو كذلك فيها لا تصلح شاهدا على ما ذكر لجواز أن يكون قالُوا مقدرا في المعطوف بقرينة ذكره في المعطوف عليه فيكون من عطف الجملة الفعلية الخبرية، على الجملة الفعلية الخبرية، ثم إن الظاهر كما يقتضي أن يكون في الآية عطف على الاخبار- وفيه الخلاف الذي عرفت كذلك يقتضي عطف الفعلية على الاسمية- وفيه أيضا خلاف مشهور كعكسه- ومما ذكرنا في أمر الإنشاء والاخبار يستخرج