الجواب عن ذلك، وقد أطال العلماء الكلام في هذا المقام وما ذكرناه قليل من كثير ووشل من غدير، ثم إن هذه الكلمة كانت آخر قول إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار كما أخرجه البخاري في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعبد الرزاق وغيره عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ،
وأخرج ابن أبي الدنيا عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء، وقال: حسبي الله ونعم الوكيل.
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال: «قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: حسبي الله ونعم الوكيل أمان كل خائف»
فَانْقَلَبُوا عطف على مقدر دل عليه السياق أي فخرجوا إليهم ورجعوا بِنِعْمَةٍ في موضع الحال من الضمير في- انقلبوا- وجوز أن يكون مفعولا به، والباء على الأول للتعدية، وعلى الثاني للمصاحبة، والتنوين على التقديرين للتفخيم أي بِنِعْمَةٍ عظيمة لا يقدر قدرها مِنَ اللَّهِ صفة لنعمة مؤكدة لفخامتها، والمراد منها السلامة- كما قاله ابن عباس- أو الثبات على الإيمان وطاعة الله تعالى ورسوله صلّى الله عليه وسلم- كما قاله الزجاج- أو إذلالهم أعداء الله تعالى على بعد كما قيل، أو مجموع هذه الأمور على ما نقول وَفَضْلٍ وهو الربح في التجارة،
فقد روى البيهقي عن ابن عباس أن عيرا مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فربح مالا فقسمه بين أصحابه فذلك الفضل.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال: أعطى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حين خرج في غزوة بدر الصغرى ببدر أصحابه دراهم ابتاعوا بها في الموسم فأصابوا تجارة
وعن مجاهد الفضل ما أصابوا من التجارة والأجر لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ أي لم يصبهم قتل- وهو المروي عن السدي- أو لم يؤذهم أحد- وهو المروي عن الحبر- والجملة في موضع النصب على الحال من فاعل- انقلبوا- أو من المستكن في بِنِعْمَةٍ إذا كان حالا والمعنى فَانْقَلَبُوا منعمين مبرئين من السوء، والجملة الحالية إذا كان فعلها مضارعا منفيا بلم، وفيها ضمير ذي الحال جاز فيها دخول الواو وعدمه وَاتَّبَعُوا عطف على- انقلبوا- وقيل: حال من ضميره بتقدير قد أي وقد اتبعوا في كل حال ما أوتوا، أو في الخروج إلى لقاء العدو رِضْوانَ اللَّهِ الذي هو مناط كل خير وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ حيث تفضل عليهم بما تفضل وفيما تقدم مع تذييله بهذه الآية المشتملة على الاسم الكريم الجامع وإسناد ذُو فَضْلٍ إليه ووصف الفضل بالعظم إيذان بأن المتخلفين فوتوا على أنفسهم أمرا عظيما لا يكتنه كنهه وهم أحقاء بأن يتحسروا عليه تحسرا ليس بعده إِنَّما ذلِكُمُ الإشارة إلى المثبط بالذات أو بالواسطة، والخطاب للمؤمنين وهو مبتدأ، وقوله:
الشَّيْطانُ بمعنى إبليس لأنه علم له بالغلبة خبره على التشبيه البليغ، وقوله تعالى: يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ جملة مستأنفة مبينة لشيطنته، أو حال كما في قوله تعالى: فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً [النمل: ٥٢] .
ويجوز أن يكون الشيطان صفة لاسم الإشارة على التشبيه أيضا، ويحتمل أن يكون مجازا حيث جعله هو ويخوف هو الخبر، وجوز أن يكون ذا إشارة إلى قول المثبط فلا بدّ حينئذ من تقدير مضاف أي قول الشيطان، والمراد به إبليس أيضا ولا تجوز فيه على الصحيح، وإنما التجوز في الإضافة إليه لأنه لما كان القول بوسوسته وسببه جعل كأنه قوله، والمستكن في يُخَوِّفُ إما للمقدر وإما للشيطان بحذف الراجع إلى المقدر أي يحوف به، والمراد بأوليائه إما أبو سفيان وأصحابه، فالمفعول الأول ليخوف محذوف أي يخوفكم أولياءه بأن يعظمهم في قلوبكم، ونظير ذلك قوله