للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً [الكهف: ٢] وبذكر هذا المفعول قرأ ابن عباس.

وقرأ بعضهم يخوفكم بأوليائه، وعلى هذا المعنى أكثر المفسرين، وإليه ذهب الزجاج، وأبو علي الفارسي، وغيرهما، ويؤيده قوله تعالى: فَلا تَخافُوهُمْ أي فلا تخافوا أولياءه الذين خوفكم إياهم وَخافُونِ في مخالفة أمري، وإما المتخلفون عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأولياءه هو المفعول الأول والمفعول الثاني إما متروك أو محذوف للعلم به أي يوقعهم في الخوف، أو يخوفهم من أبي سفيان وأصحابه وعلى هذا لا يصح عود ضمير تَخافُوهُمْ إلى الأولياء بل هو راجع إلى الناس الثاني كضمير- اخشوهم- فهو ردّ له أي فلا تخافوا الناس وتقعدوا عن القتال وتجبنوا وَخافُونِ فجاهدوا مع رسولي وسارعوا إلى امتثال ما يأمركم به، وإلى هذا الوجه ذهب الحسن والسدي، وادعى الطيبي أن النظم يساعد عليه، والخطاب حينئذ لفريقي الخارجين والمتخلفين والقصد التعريض بالطائفة الأخيرة، وقيل: الخطاب لها وأَوْلِياءَهُ إذ ذاك من وضع الظاهر موضع المضمر نعيا عليهم بأنهم أولياء الشيطان واستظهر بعضهم هذا القيل مطلقا معللا له بأن الخارجين لم يخافوا إلا الله تعالى وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وأنت تعلم أن قيام احتمال التعريض يمرض هذا التعليل، والفاء لترتيب النهي أو الانتهاء على ما قبلها فإن كون المخوف شيطانا أو قولا له مما يوجب عدم الخوف والنهي عنه، وأثبت أبو عمرو ياء وَخافُونِ وصلا وحذفها وقفا والباقون يحذفونها مطلقا وهي ضمير المفعول وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إن كان الخطاب للمتخلفين فالأمر فيه واضح، وإن كان للخارجين كان مساقا للإلهاب والتهييج لهم لتحقق إيمانهم، وإن كان للجميع ففيه تغليب، وأيّا ما كان فالجزاء محذوف، وقيل: إن كان الخطاب فيما تقدم للمؤمنين الخلص لم يفتقر إلى الجزاء لكونه في معنى التعليل، وإن كان للآخرين افتقر إليه وكأن المعنى إن كنتم مؤمنين فخافوني وجاهدوا مع رسولي لأن الإيمان يقتضي أن تؤثروا خوف الله تعالى على خوف الناس.

هذا (ومن باب الإشارة) في الآيات وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بسيف المحبة أَوْ مُتُّمْ بالموت الاختباري لَمَغْفِرَةٌ أي ستر لوجودكم مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ منه تعالى بتحليكم بصفاته عز وجل خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ أي أهل الكثرة فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ أي باتصافك برحمة رحيمية أي رحمة تابعة لوجودك الموهوب الإلهي لا الوجود البشري لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا موصوفا بصفات النفس كالفظاظة والغلظ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ولم يتحملوا مؤنة ذلك، أو يقال: لو لم تغلب صفات الجمال فيك على نعوت الجلال لتفرقوا عنك ولما صبروا معك، أو يقال: لو سقيتهم صرف شراب التوحيد غير ممزوج بما فيه لهم حظ لتفرقوا هائمين على وجوههم غير مطيقين الوقوف معك لحظة، أو يقال: لو كنت مدققا عليهم أحكام الحقائق لضاقت صدورهم ولم يتحملوا أثقال حقيقة الآداب في الطريق ولكن سامحتهم بالشريعة والرخص فَاعْفُ عَنْهُمْ فيما يتعلق بك من تقصيرهم معك لعلو شأنك وكونك لا ترى في الوجود غير الله وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ فيما يتعلق بحق الله تعالى لاعتذارهم أو استغفر لهم ما يجري في صدورهم من الخطرات التي لا تليق بالمعرفة وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ إذا كنت في مقام الفعل اختبارا لهم وامتحانا لمقامهم فَإِذا عَزَمْتَ وذلك إذا كنت في مقام مشاهدة الربوبية والخروج من التفرقة إلى الجمع فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فإنه حسبك فيما يريد منك وتريد منه، وذكر بعض المتصوفة أنه يمكن أن يفهم من الآية كون الخطاب مع الروح الإنساني وأنه لان (١) لصفات النفس وقواها الشهوية والغضبية لتستوفي حظها ويرتبط بذلك بقاء النسل وصلاح المعاش ولولا ذلك


(١) قوله: (وأنه لان) إلخ كذا في خطه اهـ مصححه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>