جمع دعموص وهي دويبة تكون في مستنقع الماء كثيرة الحركة لا تكاد تستقر، ومن المعلوم أن الأطفال ليسوا تلك الدويبة في الجنة لكنه أراد صلّى الله عليه وسلم الأخبار بأنهم سياحون في الجنة فعبر بذلك على سبيل التشبيه البليغ، ووصف الطير بالخضر إشارة إلى حسنها وطراوتها، ومنه
خبر «إن الدنيا حلوة خضرة»
وقول عمر رضي الله تعالى عنه: إن الغزو حلو خضر، ومن أمثالهم النفس خضراء، وقد يريدون بذلك أنها تميل لكل شيء وتشتهيه، وأمر الظرفية في الخبر سهل، وباقي ما فيه إما على ظاهره، وإما مؤول، وعلى الثاني يراد من الجنة الجنة المنوية وهي جنة الذات والصفات، ومن أنهارها ما يحصل من التجليات، ومن ثمارها ما يعقب تلك التجليات من الآثار، ومن القناديل المعلقة في ظل العرش مقامات لا تكتنه معلقة في ظل عرش الوجود المطلق المحيط، وكونها من ذهب إشارة إلى عظمتها وأنها لا تنال إلا بشق الأنفس.
وحاصل المعنى على هذا أن أرواح الشهداء الذين جادوا بأنفسهم في مرضاة الله تعالى، أو قتلهم الشوق إليه عز شأنه تتمثل صورا حسنة ناعمة طرية يستحسنها من رآها تطير بجناحي القبول والرضا في أنواع التجليات الإلهية وتكتسب بذلك أنواعا من اللذائذ المعنوية التي لا يقدر قدرها ويتجدد لها في مقدار كل ليلة مقام جليل لا ينال إلا بمثل أعمالهم، وذلك هو النعيم المقيم والفوز العظيم، وكأن من أول هذا الخبر وأمثاله قصد سدّ باب التناسخ ولعله بالمعنى الذي يقول به أهل الضلال غير لازم كما أشرنا إليه في آية البقرة فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من الكرامة والنعمة والزلفى عنده وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وهم الغزاة الذين لم يقتلوا بعد، أو السالكون المجاهدون أنفسهم الذين لم يبلغوا درجتهم إلى ذلك الوقت أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ لفوزهم بالمأمن الأعظم، والحبيب الأكرم يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ عظيمة وهي جنة الصفات وَفَضْلٍ أي زيادة عليها وهي جنة الذات، ومع ذلك أَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ إيمان الْمُؤْمِنِينَ الذي هو جنة الأفعال وثواب الأعمال الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
بالفناء بالوحدة الذاتية والقيام بحق الاستقامة مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ أي كسر النفس للذين أحسنوا منهم وهم الثابتون في مقام المشاهدة وَاتَّقَوْا النظر إلى نفوسهم لهم أَجْرٌ عَظِيمٌ وراء أجر الإيمان الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ المنكرون قبل الوصول إلى المشاهدة إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ وتحشدوا للإنكار عليكم فَاخْشَوْهُمْ واتركوا ما أنتم عليه فَزادَهُمْ ذلك القول إِيماناً أي يقينا وتوحيدا بنفي الغير وعدم المبالاة به وتوصلوا بنفي ما سوى الله تعالى إلى إثباته وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ فشاهدوه ثم رجعوا إلى تفاصيل الصفات بالاستقامة وقالوا نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ أي رجعوا بالوجود الحقاني في جنة الصفات والذات لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لم يؤذهم أحد إذ لا أحد إلا الأحد وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ في حال سلوكهم حتى فازوا بجنة الذات المشار إليها بقوله تعالى: وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ كما أشرنا إليه إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ المحجوبين بأنفسهم- فلا تخافوا- المنكرين وَخافُونِ إذ ليس في الوجود سواي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي موحدين توحيدا حقيقيا والله تعالى الموفق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتوجيهه إليه تشريفا له بالتسلية مع الإيذان بأنه الرئيس المعتنى بشؤونه.
والمراد من الموصول إما المنافقون المتخلفون- وإليه ذهب مجاهد وابن إسحاق- وإما قوم من العرب ارتدوا عن الإسلام لمقاربة عبدة الأوثان- وإليه ذهب أبو علي الجبائي- وإما سائر الكفار- وإليه ذهب الحسن- وإما المنافقون وطائفة من اليهود حسبما عين في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ [المائدة: ٤١]