لجواز أن تكون اللام في الرباط فيها للعهد، ويراد به الرباط في سبيل الله تعالى ويكون
قوله عليه السلام:«فذلكم الرباط»
من قبيل زيد أسد، والمراد تشبيه ذلك بالرباط على وجه المبالغة.
وأخرج عبد بن حميد عن زيد بن أسلم أن المراد اصْبِرُوا على الجهاد وَصابِرُوا عدوكم وَرابِطُوا على دينكم، وعن الحسن أنه قال: اصْبِرُوا على المصيبة وَصابِرُوا على الصلوات وَرابِطُوا في الجهاد في سبيل الله تعالى، وعن قتادة أنه قال: اصْبِرُوا على طاعة الله تعالى وَصابِرُوا أهل الضلال وَرابِطُوا في سبيل الله، وهو قريب من الأول، والأول أولى.
هذا «ومن باب الإشارة» إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي العالم العلوي والعالم السفلي وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الظلمة والنور لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ وهم الناظرون إلى الخلق بعين الحق الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً في مقام الروح بالمشاهدة وَقُعُوداً في محل القلب بالمكاشفة وَعَلى جُنُوبِهِمْ أي تقلباتهم في مكامن النفس بالمجاهدة، وقال بعضهم: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً أي قائمين باتباع أوامره وَقُعُوداً أي قاعدين عن زواجره ونواهيه وَعَلى جُنُوبِهِمْ أي ومجتنبين مطالعات المخالفات بحال وَيَتَفَكَّرُونَ بألبابهم الخالصة عن شوائب الوهم فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وذلك التفكر على معنيين، الأول طلب غيبة القلوب في الغيوب التي هي كنوز أنوار الصفات لإدراك أنوار القدرة التي تبلغ الشاهد إلى المشهود، والثاني جولان القلوب بنعت التفكر في إبداع الملك لمشاهدة الملك في الملك فإذا شاهدوا قالوا رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا بل هو مرايا لأسمائك ومظاهر لصفاتك، ويفصح بالمقصود قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل ... وكل نعيم لا محالة زائل
سُبْحانَكَ أي تنزيها لك من أن يكون في الوجود سواك فَقِنا عَذابَ النَّارِ وهي نار الاحتجاب بالأكوان عن رؤية المكون رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ وتحجبه عن الرؤية فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وأذللته بالبعد عنك وَما لِلظَّالِمِينَ الذين أشركوا ما لا وجود له في العير ولا النفير مِنْ أَنْصارٍ لاستيلاء التجلي القهري عليهم رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا بأسماع قلوبنا مُنادِياً من أسرارنا التي هي شاطئ وادي الروح الأيمن يُنادِي لِلْإِيمانِ العياني أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا أي شاهدوا ربكم فشاهدنا، أو إِنَّنا سَمِعْنا في المقام الأول مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ والمراد به هو الله تعالى حين خاطب الأرواح في عالم الذر بقوله سبحانه: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف:
١٧٢] فإن ذلك دعاء لهم إلى الإيمان فَآمَنَّا يعنون قولهم: «بلى» حين شاهدوه هناك سبحانه رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أي ذنوب صفاتنا بصفاتك وَكَفِّرْ عَنَّا سيئات أفعالنا برؤية أفعالك وَتَوَفَّنا عن ذواتنا بالموت الاختياري مَعَ الْأَبْرارِ وهم القائمون على حد التفريد والتوحيد رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى ألسنة رُسُلِكَ بقولك: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ بأن تحجبنا بنعمتك عنك إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ لكمال رحمته أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ القلب وعمله مثل الإخلاص واليقين أَوْ أُنْثى النفس وعملها إذا تركت المجاهدات والطاعات القالبية بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ إذ يجمعكم أصل واحد وهو الروح الإنسانية فَالَّذِينَ هاجَرُوا من غير الله تعالى عز وجل وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وهي مألوفات أنفسهم وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي بما قاسوا من المنكرين، وعن بعض العارفين أن القوم إذا لم يذوقوا مرارة إيذاء المنكرين لم يفوزوا بحلاوة كأس القرب من الله تعالى، ولهذا قال الجنيد قدس سره: جزى الله تعالى إخواننا عنا خيرا ردونا بجفائهم إلى الله تعالى وقاتلوا أنفسهم في وهي أعدى أعدائهم وقتلوا بسيف الفناء لَأُكَفِّرَنَّ