للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا اغتنى ناس وإنا نرى ... عنك وأنت العلم المال مال

قلت غنى النفس كمال الغنى ... والفقر كل الفقر فقد الكمال

«وله أيضا» :

قالوا حوى المال رجال وما ... على كمال نلت هذا المنال

فقلت حازوا بعض أجزائه ... وإنني حزت جميع الكمال

وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ أي اجعلوها مكانا لرزقهم وكسوتهم بأن تتجروا وتربحوا حتى تكون نفقاتهم من الأرباح لا من صلب المال لئلا يأكله الإنفاق، وهذا ما يقتضيه جعل الأموال نفسها ظرفا للرزق والكسوة، ولو قيل:

منها كان الإنفاق من نفس المال، وجوز بعضهم أن تكون في بمعنى من التبعيضية.

وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً أي كلاما تطيب به نفوسهم كأن يقول الولي لليتيم: مالك عندي وأنا أمين عليه فإذا بلغت ورشدت أعطيتك مالك، وعن مجاهد وابن جريج أنهما فسرا القول المعروف بعدة جميلة في البر والصلة، وقال ابن عباس: هو مثل أن يقول: إذا ربحت في سفري هذا فعلت بك ما أنت أهله، وإن غنمت في غزاي جعلت لك حظا، وقال الزجاج: علموهم- مع إطعامكم وكسوتكم إياهم- أمر دينهم مما يتعلق بالعلم والعمل، وقال القفال: إن كان صبيا فالوصي يعرفه أن المال ماله وأنه إذا زال صباه يرد المال إليه، وإن كان سفيها وعظه وحثه على الصلاة وعرفه أن عاقبة الإتلاف فقر واحتياج.

وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية إن كان ليس من ولدك ولا ممن يجب عليك أن تنفق عليه فقل له: عافانا الله تعالى وإياك بارك الله تعالى فيك، ولا يخفى أن هذا خلاف الظاهر لما أنه ظاهر في أن الخطاب في هذه الجملة ليس للأولياء، وبالجملة كل ما سكنت إليه النفس لحسنه شرعا أو عقلا من قول أو عمل معروف، وكل ما أنكرته لقبحه شرعا أو عقلا منكر- قاله غير واحد- وليس إشارة إلى المذهبين في الحسن والقبح هل هو شرعي أو عقلي- كما قيل- إذ لا خلاف بيننا وبين القائلين بالحسن والقبح العقليين في الصفة الملائمة للغرض والمنافرة له، وإن منها ما مأخذه العقل وقد يرد به الشرع، وإنما الخلاف- فيما يتعلق به المدح والذم عاجلا والثواب والعقاب آجلا- هل هو مأخذه للشرع فقط أو العقل على ما حقق في الأصول وَابْتَلُوا الْيَتامى شروع في تعيين وقت تسليم أموال اليتامى إليهم وبيان شرطه بعد الأمر بإيتائها على الإطلاق، والنهي عنه عند كون أصحابها سفهاء- قاله شيخ الإسلام- وهو ظاهر على تقدير أن يراد السفهاء المبذرين (١) بالفعل من اليتامى وأما على تقدير أن يراد بهم اليتامى مطلقا ووصفهم بالسفه باعتبار ما أشير إليه فيما مر ففيه نوع خفاء، وقيل: إن هذا رجوع إلى بيان الأحكام المتعلقة بأموال اليتامى لا شروع وهو مبني على أن ما تقدم كان مذكورا على سبيل الاستطراد والخطاب للأولياء، والابتلاء الاختبار أي- واختبروا من عندكم من اليتامى بتتبع أحوالهم في الاهتداء إلى ضبط الأموال وحسن التصرف فيها وجربوهم بما يليق بحالهم- والاقتصار على هذا الاهتداء رأي أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، والشافعي رحمه الله تعالى يعتب مع هذا أيضا الصلاح في الدين، إلى ذلك ذهب ابن جبير، ونسب إلى ابن عباس، والحسن.

واتفق الإمامان رضي الله تعالى عنهما على أن هذا الاختبار قبل البلوغ وظاهر الكلام يشهد لهما لما تدل عليه الغاية، وقال الإمام مالك: إنه بعد البلوغ، وفرع الإمام الأعظم على كون الاختيار قبل أن تصرفات العاقل المميز بإذن


(١) قوله: «المبذرين» كذا بخط المؤلف اهـ مصححه.

<<  <  ج: ص:  >  >>