الثلث وتلا الآية. والأخوان ليسا بلسان قومك إخوة فقال عثمان: لا أستطيع أن أرد ما كان قبلي ومضى في الأمصار وتوارث به الناس، وقال الجمهور: إن حكم الاثنين في باب الميراث حكم الجماعة، ألا يرى أن البنتين كالبنات، والأختين كالأخوات في استحقاق الثلثين فكذا في الحجب وأيضا معنى الجمع المطلق مشترك بين الاثنين وما فوقهما، وهذا المقام يناسب الدلالة على الجمع المطلق فدل بلفظ الإخوة عليه بل قال: جمع إن صيغة الجمع حقيقة في الاثنين كما فيما فوقهما في كلام العرب، فقد أخرج الحاكم والبيهقي في سننه عن زيد بن ثابت أنه كان يحجب الأم بالأخوين فقالوا له: يا أبا سعيد إن الله تعالى يقول: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ وأنت تحجبها بأخوين فقال: إن العرب تسمي الأخوين إخوة، وهذا يعارض الخبر السابق عن ابن عباس فإنه صريح في أن صيغة الجمع لا تقال على اثنين في لغة العرب، وعثمان رضي الله تعالى عنه سلم ذلك إلا أنه احتج بأن إطلاق الإخوة على الأعم كان إجماعا.
ومن هنا اختلف الناس في مدلول صيغة الجمع حقيقة، وصرح بعض الأصوليين أنها في الاثنين في المواريث والوصايا ملحقة بالحقيقة، والنحاة على خلاف ذلك وخالف ابن عباس أيضا في توريث الأم السدس مع الإناث الخلص لأن الإخوة جمع أخ فلا يشمل الأخت إلا بطريق التغليب، والخلص لا ذكور معهم فيغلبون، وهو كلام متين إلا أن العمل على اختلافه اعتبارا لوصف الإخوة في الآية للإجماع على ذلك قبل ظهور خلاف ابن عباس وخرق الإجماع إنما يحرم على من لم يكن موجودا عنده، وذهب الزيدية والإمامية إلى أن الإخوة لأم لا يحجبونها بخلاف غيرهم فإن الحجب هاهنا بمعنى معقول كما يشير إليه كلام قتادة، وهو أنه إن كان هناك إخوة لأب وأم أو لأب فقد كثر عيال الأب فيحتاج إلى زيادة مال للإنفاق، وهذا المعنى لا يوجد فيما إذا كان الإخوة لأم إذ ليس نفقتهم على الأب، والجمهور ذهبوا إلى عدم الفرق لأن الاسم حقيقة في الأصناف الثلاثة، وهذا حكم غير معقول المعنى ثبت بالنص، ألا يرى أنهم يحجبون الأم بعد موت الأب ولا نفقة عليه بعد موته ويحجبونها كبارا أيضا وليست عليه نفقتهم، ثم الشائع المعلوم من خارج أو من الآية في رأي أن الإخوة يحجبون الأم حجب نقصان، وإن كانوا محجوبين بالأب حجب حرمان، ويعود السدس الذي حجبوها عنه للأب- وهو مذهب جمهور الصحابة أيضا- ويروى عن ابن عباس أنه للإخوة لأنهم إنما حجبوها عنه ليأخذوه فإن غير الوارث لا يحجب كما إذا كانت الإخوة كفارا أو أرقاء، وقد يستدل عليه بما
رواه طاوس مرسلا أنه عليه الصلاة والسلام أعطى الإخوة السدس مع الأبوين.
وللجمهور- كما قال الشريف- إن صدر الكلام يدل على أن لأمه الثلث والباقي للأب فكذا الحال في آخره كأنه قيل: فإن كان له إخوة وورثه أبواه فلأمه السدس ولأبيه الباقي، ثم إن شرط الحاجب أن يكون وارثا في حق من يحجبه، والأخ المسلم وارث في حق الأم بخلاف الرقيق والكافر، فالإخوة يحجبونها وهم يحجبون بالأب، ألا يرى أنهم لا يرثون مع الأب شيئا عند عدم الأم لأنهم كلالة فلا ميراث لهم مع الوالد، وليس حال الإخوة مع الأم بأقوى من حالهم مع عدمها،
وقد روي عن طاوس أنه قال: لقيت ابن رجل من الإخوة الذين أعطاهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم السدس مع الأبوين وسألته عن ذلك فقال: كان ذلك وصية
وحينئذ صار الحديث دليلا للجمهور إذ لا وصية لوارث، والظاهر أنه لا صحة لهذه الرواية عن ابن عباس لأنه يوافق الصديق رضي الله تعالى عنه في حجب الجد للإخوة فكيف يقول بإرثهم مع الأب كذا في شرح الإمام السرخسي، وفي الدر المنثور أن ابن جرير، وعبد الرزاق والبيهقي عنه، وقرأ حمزة والكسائي «فلإمه» بكسر الهمزة اتباعا لكسرة اللام، وقيل: إنه اتباع لكسرة الميم، وضعف بأن فيه اتباع حركة أصلية لحركة عارضة وهي الإعرابية، وقيل: إنه لغة في الأم، وأنكرها الشهاب، وفي القاموس الأم- وقد تكسر- الوالدة، ويقال: أمة وأمهة وتجمع على أمات وأمهات، وهذه لمن يعقل، وأمات لما لا يعقل، وحكي ذلك في الصحاح عن