للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضهم مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ متعلق- بيوصيكم- والكلام على حذف مضاف بناء على أن المراد من الوصية المال الموصى به، والمعنى أن هذه الأنصباء للورثة من بعد إخراج وصية.

وجوز أن يكون حالا من السدس، والتقدير مستحقا من بعد ذلك والعامل فيه الجار والمجرور الواقع خبرا لاعتماده، ويقدر لما قبله مثله كالتنازع، وقيل: إنه متعلق بكون عام محذوف أي استقر ذلك لهؤلاء مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها الميت.

وقرأ ابن عامر وابن كثير وأبو بكر عن عاصم يُوصِي مبنيا للمفعول مخففا، وقرئ «يوصّي» مبنيا للفاعل مشددا، والجملة صفة وَصِيَّةٍ وفائدة الوصف الترغيب في الوصية والندب إليها، وقيل: التعميم لأن الوصية لا تكون إلا موصى بها أَوْ دَيْنٍ عطف على وصية إلا أنه غير مقيد بما قيدت به من الوصف السابق فلا يتوقف إخراج الدين على الإيصاء به بل هو مطلق يتناول ما ثبت بالبينة والإقرار في الصحة، وإيثار أَوْ على الواو للإيذان بتساويهما في الوجوب وتقدمهما على القسمة مجموعين أو مفردين، وتقديم الوصية على الدين ذكرا مع أن الدين مقدم عليها حكما كما قضى به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما رواه علي كرم الله تعالى وجهه، وأخرجه عنه جماعة- لإظهار كمال العناية بتنفيذها لكونها مظنة للتفريط في أدائها حيث إنها تؤخذ كالميراث بلا عوض فكانت تشق عليهم ولأن الجميع مندوب إليها حيث لا عارض بخلاف الدين في المشهور مع ندرته أو ندرة تأخيره إلى الموت، وقال ابن المنير: إن الآية لم يخالف فيها الترتيب الواقع شرعا لأن أول ما يبدأ به إخراج الدين ثم الوصية، ثم اقتسام ذوي الميراث، فانظر كيف جاء إخراج الميراث آخرا تلو إخراج الوصية والوصية تلو الدين فوافق قولنا قسمة المواريث بعد الوصية، والدين صورة الواقع شرعا، ولو سقط ذكر بَعْدِ وكان الكلام أخرجوا الميراث والوصية والدين لأمكن ورود السؤال المذكور وهو من الحسن بمكان آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً الخطاب للورثة، وآباؤُكُمْ مبتدأ، ووَ أَبْناؤُكُمْ معطوف عليه، ولا تَدْرُونَ مع ما في حيزه خبر له، وأي- إما استفهامية مبتدأ، وأَقْرَبُ خبره، والفعل معلق عنها فهي سادة مسدّ المفعولين، وإما موصولة، وأَقْرَبُ خبر مبتدأ محذوف، والجملة صلة الموصول وهو مفعول أول مبني على الضم لإضافته، وحذف صدر صلته، والمفعول الثاني محذوف، ونَفْعاً نصب على التمييز، وهو منقول من الفاعلية، والجملة اعتراضية مؤكدة لوجوب تنفيذ الوصية.

والآباء والأبناء عبارة عن الورثة الأصول والفروع، فيشمل البنات والأمهات والأجداد والجدات، أي أصولكم وفروعكم الذين يموتون قبلكم لا تعلمون من أنفع لكم منهم أمن أوصى ببعض ماله فعرضكم لثواب الآخرة بإمضاء وصيته، أم من لم يوص فوفر عليكم عرض الدنيا، وليس المراد- كما قال شيخ الإسلام- بنفي الدراية عنهم بيان اشتباه الأمر عليهم، وكون أنفعية كل من الأول والثاني في حيز الاحتمال عندهم من غير رجحان لأحدهما على الآخر فإن ذلك بمعزل من إفادة التأكيد المذكور، والترغيب في تنفيذ الوصية بل تحقيق أنفعية الأول في ضمن التعريض بأن لهم اعتقادا بأنفعية الثاني مبنيا على عدم الدراية، وقد أشير إلى ذلك حيث عبر عن الأنفعية بأقربية النفع تذكيرا لمناط زعمهم وتعيينا لمنشأ خطئهم ومبالغة في الترغيب المذكور بتصوير الصواب الآجل بصورة العاجل لما أن الطباع مجبولة على حب الخير الحاضر كأنه قيل: لا تدرون أيهم أنفع لكم فتحكمون نظرا إلى ظاهر الحال وقرب المنال بأنفعية الثاني مع أن الأمر بخلافه فإن ما يترتب على الأول الثواب الدائم في الآخرة، وما يترتب على الثاني العرض الفاني في الحياة الدنيا، والأول لبقائه هو الأقرب الأدنى، والثاني لفنائه هو الأبعد الأقصى، واختار كثير من المحققين

<<  <  ج: ص:  >  >>