للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهو في الحقيقة ما أطاع إلا الله. وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً [النساء/ ٨٠] فإن من أعماه الله عن الرشد، وأضله عن الطريق فإن أحدا من خلق الله لا يقدر على إرشاده. وهذه الآية من أقوى الأدلة على أن الرسول معصوم في جميع الأوامر والنواهي، وفي كل ما يبلغه عن الله؛ لأنه لو أخطأ في شيء منها لم تكن طاعته طاعة لله تعالى. وأيضا وجب أن يكون معصوما في جميع أفعاله؛ لأنه تعالى أمر بمتابعته في قوله تعالى: فَاتَّبِعُونِي [آل عمران/ ٣١] والمتابعة عبارة عن الإتيان بمثل فعل الغير، فثبت أن الانقياد له في جميع أقواله وأفعاله إلا ما خصه الدليل به طاعة له، وانقياد لحكم الله تعالى. قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ [النساء/ ٦٩] . فهذه الآية عامة في حق جميع المكلفين وهو أن كل من أطاع الله وأطاع الرسول فقد فاز بالدرجات العالية في المراتب الشريفة عنده تعالى» «١» .

عن ابن عباس (ض) أنه قال: «ما خلق الله عزّ وجلّ وما ذرأ نفسا أكرم عليه من محمد صلى الله عليه وسلم، وما سمعت الله عزّ وجلّ أقسم بحياة أحد إلا بحياته فقال: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر/ ٧٢] «٢» .

كذلك لم يصل إلينا أن الله تعالى قد دافع عن نبي، وفنّد مزاعم أعدائه كما فعل مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم: فلما قال المشركون للرسول «إنك لمجنون» أجاب الله تعالى عنه الأعداء قائلا: ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ [القلم/ ١] . وهكذا سنة الأحباب، فإن الحبيب إذا سمع من يسب حبيبه تولى بنفسه جوابه.

ولما نعته قومه بالأبتر جاء قول الله: إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر/ ٣] أي عدوك ومبغضك هو المقطوع الذليل الحقير.

ولما قالوا: «إفترى على الله كذبا» . قال تعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ


(١) النبهاني، الأنوار المحمدية، ص ٣٩١- ٣٩٣.
(٢) ابن منصور، مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر، تحقيق روحية النحاس (دمشق ١٩٨٤) ٢/ ١٠١، الأصبهاني، دلائل النبوة، ص ١٢.

<<  <   >  >>