للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ملائكته على الدوام والإستمرار «١» .

وكما انصرف قوم إلى وضع صيغ صلوات على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن قوما آخرين اهتموا بنظم القصائد في مدحه صلى الله عليه وسلم، ذاكرين بعض صفاته وأخلاقه، وشيئا من سيرته وماثره، وهي ما عرفت باسم المدائح النبوية التي تعتبر فنا من فنون الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص، والإيمان العميق بصدق الرسالة المحمدية، والخصال الجيدة التي يتحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم. ومن المعلوم أن ذكر شمائل الميت يسمى رثاء لكنه في حق الرسول صلى الله عليه وسلم يسمى مدحا، لأنه صلى الله عليه وسلم موصول الحياة، يخاطبه المحبون كما يخاطبون الأحياء، يستثنى من ذلك بعض الشعراء المداحين الذين توفي الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتهم، للتمييز بين فترتين من حياة الشاعر، فيقال مثلا: قال حسان يرثي النبي صلى الله عليه وسلم فيعرف من ذلك أن هذه القصيدة نظمت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أما غير ذلك من الشعراء الذين ولدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن ثناءهم عليه مديح لا رثاء؛ وذلك لأن الرثاء إنما يعني التوجع والتحزن والتفجع ... على حين لا يراد بالمدائح النبوية إلا التقرب إلى الله تعالى بذكر شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وتبيان ما قدمه لدين الله سبحانه.

والواقع أن هذه المدائح كانت في ابتداء أمرها تجري على الطرائق الجاهلية، ثم انتهى بها المطاف إلى فن أدبي رفيع عرف باسم فن البديعيات، الذي نشر بين الناس أنواعا من الثقافة الأدبية. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفن لم يقتصر على البيئات الصوفية وحدها وإنما اهتم به عدد لا بأس به من الشعراء من غير المتصوفة «٢» ونخص بالذكر شعراء العصر المملوكي الذين فاقت قصائدهم «البديعية» سائر العصور. وفي عصرنا الحالي كثرت الموسوعات المتخصصة التي تهتم بتراجم أصحاب المهن والوظائف، كالأطباء والمفتين مثلا، أو تقتصر على ذكر أتباع دين من الأديان أو مذهب من المذاهب أو طائفة من الطوائف كطبقات الشافعية وطبقات الحنابلة وطبقات الصوفية ...

أو تفرد مصنفات لعلماء اشتهروا بفن من فنون العلم كالمحدثين والمفسرين


(١) را: السباعي، أفضل القربات، ص ٣.
(٢) را: زكي مبارك، المدائح النبوية في الأدب العربي (بيروت دون تاريخ) ص ١٤- ١٨.

<<  <   >  >>