بن زهير) حتى بردة أحمد شوقي، وما تلاها من قصائد مماثلة إلى يومنا هذا، قاطعا بذلك أربعة عشر قرنا ونيّفا، وقرابة خمسمائة شاعر وعالم ومجاهد وكاتب.. وقفوا جميعا بباب الرحمن ملبّين وصاته الأزلية في الصلاة على النبي، والسلام عليه وعلى آله وصحبه..
كلمة «١» صدرت عن العزة الإلهية، تلقاها الإنسان.. فأقبل عليها واستجاب لصاحبها؛ وأضحى الكلام على النبي صلى الله عليه وسلم ضربا من التبرّك والزلفى إلى الملك القدوس الذي أمر عباده المؤمنين بالصلاة عليه والتسليم.
كلمة واحدة:«صلّوا» .. وانطلقت الألسن والشفاه تصوغ أجمل الكلام، وتوقّع أعذب الألحان في مختلف المناسبات والمقامات، لتصلي على النبي المختار، وتنشر له أجمل الأشعار.
هل الصلاة على الرسول، كالصلاة لله العظيم؟ ..
حاشا لله ولرسوله! .. هنا عبادة، وخشوع، وتبتّل، وضراعة، وضمور، وانتهاء ... وهناك التحبّب، والتكريم، والتفاني، والمديح، والتقرب، بكل الصيغ والأساليب.. وليس كالشعر سبيلا لتجسيد هذه الصلاة، وتحقيق مضمونها وتشريف قائلها..
لم يعد مدح الرسول صلى الله عليه وسلم صفة تحبّبية يسعى إليها الشاعر، والعابد، والمصلّي؛ بل هي فريضة منزّلة يجزى عليها صاحبها أجمل الجزاء وتحسب له في سجلّه الآخروي أضعاف أضعاف ما تجترح يداه من سيئات، ويرتكب من أخطاء.
فلا نعجبنّ من هذا الكمّ الهائل من قصائد المدح المحمّدي، يطالعنا عبر الحقب والأجيال. ولا سبيل إلى محاسبة أحد على ما سطّر قلمه، وجوّد لسانه، لأن المدح ههنا، دواء لقائله وصائغه، وبلسم لسامعه وقارئه؛
إن أحسن وأبدع، فله أجران: أجر الصلاة الامتداح، وأجر الإجادة
(١) إشارة صريحة إلى الآية ٥٦ من سورة الأحزاب: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً.