للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وإن طهارة قلوب المؤمنين، وغسلها من الصدأ هي الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

وهذا سرّ أمره تعالى لنا بالصلاة عليه، ليطهر القلب الذي هو محل الإخلاص، إذ لا خلاص من بقاء العلل، وزوال النقم إلا بذكر هذا الحبيب الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم. وإن الإكثار من الصلاة عليه تثمر تمكين محبته من القلب، وتمكين محبته تثمر شدة الإعتناء به والإقتداء بسنته، والإهتداء بطريقته الموصلة إلى شمول رحمته» «١» .

قال ابن بطال: «إنّ من استكمل الإيمان علم أن حق النبي صلى الله عليه وسلم آكد عليه من حق أبيه وأمه والناس أجمعين؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد استنقذنا الله به من النار، وهدانا من الضلال. فحقيقة الإيمان لا تتم إلا بذلك، ولا يصح الإيمان إلا بتحقيق إعلاء قدر النبي صلى الله عليه وسلم ومنزلته على كل والد وولد ومحسن ومفضل، كقوله [من البسيط] :

«ألا يا محبّ المصطفى زد صبابة ... وضمّح لسان الذكر منك بطيبه

ولا تعبأن بالمبطلين فإنّما ... علامة حبّ الله حبّ حبيبه» «٢» .

«فمحبته صلى الله عليه وسلم هي المنزلة التي يتنافس فيها المتنافسون، وإليها يشخص العاملون، وعليها تفانى المحبون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون. وهي التي تحمل أثقال السائرين إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها. تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من محبوبهم أوفر نصيب، والمرء مع من أحب» «٣» . ومداحوا المصطفى صلى الله عليه وسلم، في كل عصر ومصر، إنما عبروا بمدائحهم عن خالص محبتهم، وصدق توجههم؛ فلم يكونوا يسعون إلى عرض من أعراض الدنيا الفانية؛ فلو كانت غايتهم تحصيل المال والجاه والصيت لوجهوا جهودهم لمدح الأمراء والوجهاء والأغنياء ذوي البذل والعطاء. فهؤلاء المداحون نأوا بشعرهم عن التكسب، كما نأوا به عن


(١) السباعي، أفضل القربات، ص ١٥.
(٢) المقري، نفح الطيب ٥/ ٤٥٥.
(٣) السباعي، أفضل القربات، ص ١٦.

<<  <   >  >>