للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ترك نفسه من ثلاث: الرياء والإكثار وما لا يعنيه. وترك الناس من ثلاث:

كان لا يذم أحدا ولا يعيبه ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير» «١» .

«ومناقبه صلى الله عليه وسلم ومحاسنه قد ملأت الوجود شهرة، ولو اجتمع الخلق على أن يحصوها كان وصفهم من بحرها قطرة. وإنه ما يهتدي أحد من خلق الله عزّ وجلّ إلى معرفة ما حوى خلقه الحسن من المحاسن الكريمة، وجميل الأخلاق الكاملة العظيمة، وقد أجمل الله تعالى من وصفه في محكم تنزيله ما لا يتسع الدفاتر لتفصيله فقال في الذكر الحكيم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم/ ٤] «٢» .

ذلك أن أبرز سمة في شخصيته المتعددة الجوانب أخلاقيته التي لا نظير لها «فلو أنك جمعت كل خلق عظيم في العالم، وكل تصرف أخلاقي سليم تصرّفه في يوم من الأيام إنسان، فإن ما تجده في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم يربو على هذا كله مجتمعا. مع انعدام التصرفات غير الأخلاقية في حياته عليه السلام، مما لا تستطيع معه أن تجد في حياته كلها تصرفا يمكن أن ترى أعظم منه في باب الأخلاق عند غيره صلى الله عليه وسلم» «٣» . قال تعالى يثني على أخلاقه صلى الله عليه وسلم: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم/ ٤] وليس بعد ذلك ثناء، فإن أعظم ما يمكن أن يتحلى به المرء هو الأخلاق الحسنة. ومع ما قيل في هذه الآية الكريمة من أنها تكريم وتمجيد ومدح وثناء «ومع إيماننا بأنها تتضمن كل المعاني الكريمة التي قيلت والمعاني الشريفة التي ستقال. فقد يتساءل بعض الناس عن هذا «الخلق العظيم» أكان يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه نبي مكرم؟ أكان يشاركه فيه رسول مجتبى؟ أكان يشاركه فيه ملك مقرب؟

يسعفنا القرآن الكريم بهذا التحديد إسعافا يرضي المتطلع إلى المعرفة،


(١) عبد الله اليافعي، مرآة الجنان وعبرة اليقظان (بيروت ١٩٧٠) ١/ ٢٨- ٢٩؛ محمد البتنوني، الرحلة الحجازية (القاهرة ١٣٢٩ هـ) ص ٢٦٧؛ محمد الكاندهلوي، حياة الصحابة (دمشق ط أولى) ١/ ٤٤ و ٣/ ١٢٨- ١٢٩.
(٢) اليافعي، مرآة الجنان ١/ ١٩ و ٢٦.
(٣) سعيد حوى، الرسول صلى الله عليه وسلم (بيروت ١٩٦٩) ١/ ١٣٦.

<<  <   >  >>