من حقه عليهم أن لا ينقدوه، وأن لا يتحدثوا عنه- إن أذن لهم فى الحديث- إلا برفق ولين وملق ونفاق، مما يسمونه فى هذا العصر العجيب «مجاملة» !! لقد رجوت الأستاذ السيد صقر أن ينقد الجزء الأول من «الشعر والشعراء» حين صدوره، وقرأت نقده قبل أن يطبع فى مجلة «الكتاب» الغراء، ولم أجد فى هذا غضاضة علىّ قط، وإن كثيرا من إخوانى ليعرفون هذا الذى أقول، وقد عجبوا منه فى حينه، ولم أره موضعا للعجب. ثم رجوته أن ينقد الجزء الثانى حين صدوره أيضا. ولم أر فى نقده ما يمسنى من قريب أو من بعيد.
وهذا رأيى الذى ربيت عليه واعتنقته طول حياتى: أن لى أن أنقد آراء الناس فى حدود ما أستطيع من علم، وأن لهم أن ينقدوا آرائى فى حدود ما يستطيعون من علم.
وسأذكر بعض المثل، عسى أن يكون فيها عظة وعبرة:
يذكر الناس ما يدور كل عام مرارا من جدال حول إثبات أوائل الشهور العربية:
أبالرؤية أم بالحساب. وكتب الناس فى هذا كثيرا، وكتبت مرارا. وكان من رأيى التمسك بالرؤية وحدها، وكان هذا رأى والدى الشيخ محمد شاكر رحمه الله، وكتب فيه وشدد. ثم بدا لى غير ذلك، فى حياة أبى. فنشرت رسالة صغيرة فى شهر ذى الحجة سنة ١٣٥٧ هـ (فبراير سنة ١٩٣٩ م) ، اسمها «أوائل الشهور العربية» . وكان مما قلت فيها (ص ١٥) بالحرف الواحد: «لقد كان للأستاذ الأكبر الشيخ المراغى- منذ أكثر من عشر سنين، حين كان رئيس المحكمة العليا الشرعية- رأى فى رد شهادة الشهود، إذا كان الحساب يقطع بعدم إمكان الرؤية، كالرأى الذى نقلته هنا عن تقى الدين السبكى. وأثار رأيه هذا جدالا شديدا، وكان والدى وكنت أنا وبعض إخوانى ممن خالف الأستاذ الأكبر فى رأيه. ولكنى أصرح الآن بأنه كان على صواب، وأزيد عليه وجوب إثبات الأهلة بالحساب، فى كل الأحوال، إلا لمن استعصى عليه العلم به» . فلم أجد غضاضة على والدى رحمه الله- فى علمه وفضله الذى يعرفه الجم الغفير من الناس- أن أعلن فى كتاب منشور خلاف رأيه ورأيى،