للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عيلتى وتبدو مسكنتى، فى يوم لا ينفع فيه إلا الحقّ والصدق، ثم بكى حتّى ظننّا أنه قاض نحبه، وارتجّ المسجد وما حوله بالبكاء والعويل، وانصرفت إلى صاحبىّ فقلت لهما: خذا فى شرج من الشعر [١] غير ما كنّا نقوله لعمر وآبائه، فإنّ الرجل أخروىّ ليس بدنيوىّ، إلى أن استأذن لنا مسلمة فى يوم جمعة، (فأذن لنا) بعد ما أذن للعامّة، فلمّا دخلت عليه سلّمت، ثم قلت: يا أمير المؤمنين، طال الثّواء، وقلّت الفائدة، وتحدّثت بجفائك إيّانا وفود العرب، فقال: يا كثيّر، إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ

[٢] أفى واحد من هؤلاء أنت؟ فقلت:

ابن السبيل منقطع به، وأنا ضاحك، قال: أولست ضيف أبى سعيد؟ قلت:

بلى، قال: ما أرى من كان ضيفه منقطعا به.

ثم قلت: يا أمير المؤمنين، أتأذن لى فى الإنشاد، قال: نعم ولا تقل إلا حقّا، فأنشدت:

[تكلّمت بالحقّ المبين وإنّما ... تبيّن آيات الهدى بالتكلّم] [٣]

[وأظهرت نور الحقّ فاشتدّ نوره ... على كل لبس بارق الحقّ مظلم]

[وعاقبت فيما قد تقدّمت قبله ... وأعرضت عمّا كان قبل التقدم]

وليت فلم تشتم عليّا ولم تخف ... بريّا، ولم تقبل إشارة مجرم

وصدّقت بالفعل المقال مع الذى ... أتيت، فأمسى راضيا كلّ مسلم

ألا إنّما يكفى الفتى بعد زيغه ... من الأود البادى ثقاف المقوّم [٤]


[١] الشرج، بسكون الراء: الضرب، يقال «هما شرج واحد «و» على شرج واحد» أى: ضرب واحد.
[٢] من الآية ٦٠ من سورة التوبة.
[٣] الأبيات الثلاثة زيادة من ب.
[٤] الأود. بفتحتين: الاعوجاج.

<<  <  ج: ص:  >  >>