حيث يراها، ويتنحّون عنه، فإذا رأها أتاها فألقى ما عليه ثم لبسها.
قال: فسألتهم أن يدلّونى عليه لآتيه؟ فدلّونى على فتى من الحىّ، وقالوا:
لم يزل صديقه، وليس يأنس بأحد إلا به، فهو يأخذ أشعاره فيأتينا بها، فأتيته فسألته أن يدلّنى على ما أحتال به للدنوّ منه، فقال: إن كنت تريد شعره فكلّ شعر قاله إلى أمس فهو عندى، وأنا أذهب غدا، فإن كان قال شيئا أتيتك به، قال: فقلت له: لا، بل تدلّنى عليه فآتيه، فقال: إن نفر منك تخوّفت أن ينفر منى فيذهب شعره! قال: فأبيت إلا أن يدلّنى عليه، فقال: نعم، اطلبه فى هذه الصحارى، فإذا رأيته فادن منه مستأنسا، ولا تظهر النّفار منه، فإنّه يتهدّدك ويتوعّدك، وبالحرى أن يرميك بشىء إن كان بيده «١» ، واجلس كأنّك لا تنظر إليه، والحظه ببصرك، فإذا رأيته قد سكن أو عبث بيده فأنشده شعرا «٢» إن كنت تروى لقيس بن ذريح شيئا، فإنّه يعجب به.
قال: فخرجت أدور يومى، فما رأيته إلا بعد العصر جالسا على قوز من رمل «٣» ، قد خطّ بإصبعه فيه خطوط، فدنوت منه غير منقبض منه، فنفر والله منى كما تنفر الوحش إذا نظرت إلى الإنس، وإلى جانبه أحجار ململة، فتناول واحدا منها، فأقبلت حتّى جلست إليه، ومكث ساعة وكأنّه الشىء النافر المتهيّىء للقيام، فلما طال جلوسى سكن وأقبل يعبث بأصابعه، فنظرت إليه، فقلت:
أحسن والله قيس بن ذريح حيث يقول:
وإنّى لمفن دمع عينىّ بالبكا ... حذار الّذى لمّا يكن وهو كائن
وقالوا: غدا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن