وشمس الدين سنقر الكبير، وكانوا عظماء الدولة. فصاروا إلى الملك العزيز بالقاهرة فأكرمهم، وولي فخر الدين أستا داره وفوّض إليه أمره؛ وجعل فارس الدين وشمس الدين على صيداء وأعمالها، وكان ذلك لهما، وزادهما نابلس وبلادها؛ وسار القاضي الفاضل أيضا من دمشق ولحق بالقاهرة، فخرج العزيز إلى لقائه، وأجلّ قدومه وأكرمه، فشرع القوم في تقرير قواعد ملك العزيز، والأفضل في شغل عنهم» ، ويقول أيضا: إنه في سنة ٥٩٠ تسعين وخمسمائة قويت الوحشة بين العزيز وأخيه الأفضل، وتنافرت القلوب، واضطربت أحوال الأفضل، وخرج العزيز من القاهرة بعساكر مصر يريد الشام لينتزعها من أخيه الأفضل، «وهمّ الأفضل بمراسلة أخيه العزيز واستعطافه؛ فمنعه من ذلك وزيره ابن الأثير وعدة من أصحابه، وحسّنوا له محاربته»«١» ، ويقول أيضا «٢» : «وفي سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة وصل الملك الأفضل إلى دمشق، وتفرقت العساكر إلى بلادها، ولزم الأفضل الزهد، وأقبل على العبادة. وصارت أمور الدولة بأسرها مفوضة إلى وزيره ضياء الدين بن الأثير، فاختلت به الأحوال غاية الاختلال، وكثر شاكوه» .
ومؤرخو هذا العصر مجمعون على أن ضياء الدين بن الأثير كان في وزارته سيىء السيرة مع رجال الدولة، وأن أحوال السلطنة كانت تسوء بسببه، ونحن نأخذ عليه أمرين: أحدهما: أنه كان يحاول الإيقاع بين الملك الأفضل وأخيه العزيز صاحب مصر، وكلما هم الأفضل بالاتّفاق مع أخيه وإعادة الصفاء بينهما اجتهد ضياء الدين في تنفيره وإبقاء الجفاء، مع ما كانت تتطلبه حال المسلمين في ذلك الوقت من اتحاد الكلمة واجتماع الشمل؛ إذ كان الصليبيون في نزاع دائم معهم وكانوا يهتبلون فرصة انقسامهم واختلافهم ليغيروا على البلاد وينتقصوها من أطرافها؛ والأمر الثاني: أنه كان سببا في إغضاب القاضي الفاضل وخروجه من دمشق إلى مصر، مع أن القاضي هو الذي قرّبه من الملوك وفتح له باب الاتّصال بصلاح الدين على ما سبق بيانه.