[النوع الخامس والعشرون في الاقتصاد والتفريط والإفراط]
اعلم أن هذه المعاني الثلاثة من الاقتصاد والتفريط والإفراط توجد في كل شيء: من علم، وصناعة، وخلق؛ ولا بد لنا من ذكر حقيقتها في أصل اللغة حتى يتبين نقلها إلى هذا النوع من الكلام.
فأما الاقتصاد في الشيء فهو من القصد الذي هو الوقوف على الوسط الذي لا يميل إلى أحد الطرفين، قال الله تعالى: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات
فظلم النفس والسبق بالخيرات طرفان، والاقتصاد وسط بينهما، وقال تعالى: والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما
فالإسراف والإقتار طرفان، والقوام وسط بينهما، وقال الشاعر «١» :
عليك بالقصد فيما أنت فاعله ... إنّ التّخلّق يأتي دونه الخلق
وأما التفريط فهو التقصير والتضييع، ولهذا قال الله تعالى: ما فرطنا في الكتاب من شيء
أي: ما أهملنا ولا ضيعنا.
وأما الإفراط فهو: الإسراف وتجاوز الحد، يقال: أفرط في الشيء؛ إذا أسرف وتجاوز الحد.