موضوع كل علم: هو الشيء الذي يسأل فيه عن أحواله التي تعرض لذاته؛ فموضوع الفقه هو أفعال المكلفين، والفقيه يسأل عن أحوالها التي تعرض لها: من الفرض والنّفل والحلال والحرام والندب والمباح، وغير ذلك، وموضوع الطبّ هو بدن الإنسان، والطبيب يسأل عن أحواله التي تعرض له من صحته وسقمه، وموضوع الحساب هو الأعداد، والحاسب يسأل عن أحوالها التي تعرض لها من الضرب والقسمة والنسبة، وغير ذلك، وموضوع النحو هو الألفاظ والمعاني، والنحوي يسأل عن أحوالهما في الدلالة من جهة الأوضاع اللغوية، وكذلك يجري الحكم في كل علم من العلوم، وبهذا الضابط انفرد كل علم برأسه، ولم يختلط بغيره، وعلى هذا فموضوع علم البيان هو الفصاحة والبلاغة، وصاحبه يسأل عن أحوالهما اللفظية والمعنوية، وهو والنحوي يشتركان في أن النحويّ ينظر في دلالة الألفاظ على المعاني من جهة الوضع اللغوي، وتلك دلالة عامة، وصاحب علم البيان ينظر في فضيلة تلك الدلالة، وهي دلالة خاصة، والمراد بها أن يكون على هيئة مخصوصة من الحسن، وذلك أمر وراء النحو والإعراب، ألا ترى أن النحوي يفهم معنى الكلام المنظوم والمنثور ويعلم مواقع إعرابه، ومع ذلك فإنه لا يفهم ما فيه من الفصاحة والبلاغة، ومن ههنا غلط مفسّر والأشعار في اقتصارهم على شرح المعنى وما فيها من الكلمات اللغوية، وتبيين مواضع الإعراب منها، دون شرح ما تضمنته من أسرار الفصاحة والبلاغة.