ومع هذا فينبغي لك أن تعلم أن الجهل بالنحو لا يقدح في فصاحة ولا بلاغة، ولكنه يقدح في الجاهل به نفسه؛ لأنه رسوم قوم تواضعوا عليه، وهم الناطقون باللغة، فوجب اتّباعهم؛ والدليل على ذلك أن الشاعر لم ينظم شعره وغرضه منه رفع الفاعل ونصب المفعول أو ما جرى مجراهما، وإنما غرضه إيراد المعنى الحسن في اللفظ الحسن المتّصفين بصفة الفصاحة والبلاغة، ولهذا لم يكن اللحن قادحا في حسن الكلام؛ لأنه إذا قيل: جاء زيد راكب، إن لم يكن حسنا إلا بأن يقال: جاء راكبا- بالنصب- لكان النحو شرطا في حسن الكلام، وليس كذلك.
فتبين بهذا أنه ليس الغرض من نظم الشعر إقامة إعراب كلماته، وإنما الغرض أمر وراء ذلك، وهكذا يجري الحكم في الخطب والرسائل من الكلام المنثور.
وأما الإدغام فلا حاجة إليه لكاتب، لكن الشاعر ربما احتاج إليه؛ لأنه قد يضطر في بعض الأحوال إلى إدغام حرف، وإلى فك إدغام؛ من أجل إقامة الميزان الشعري.
[النوع الثاني:]
وهو قولنا:«إنه يحتاج إلى معرفة اللغة مما تداول استعماله» فسيرد بيانه عند ذكر اللفظة الواحدة، والكلام على جيدها ورديئها في المقالة المختصة بالصناعة اللفظية.
ويفتقر أيضا مؤلّف الكلام إلى معرفة عدة أسماء لما يقع استعماله في النظم والنثر؛ ليجد إذا ضاق به موضع في كلامه بإيراد بعض الألفاظ [سعة في] العدول عنه إلى غيره، مما هو في معناه، وهذه الأسماء تسمى المترادفة، وهي اتحاد المسمّى واختلاف أسمائه، كقولنا: الخمر، والراح، والمدام؛ فإن المسمّى بهذه الأسماء شيء واحد، وأسماؤه كثيرة.
وكذلك يحتاج إلى معرفة الأسماء المشتركة ليستعين بها على استعمال التجنيس في كلامه، وهي اتحاد الاسم واختلاف المسميات، كالعين؛ فإنها تطلق على العين الناظرة، وعلى ينبوع الماء، وعلى المطر، وغيره، إلا أن المشتركة تفتقر