والبلاغة إنما يكون منه، والمعوّل عليه، وما ينبغي أن يقاس على هذا قوله تعالى:
وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين
وربما قيل: إن هذه الآية اشتملت على تثنية وجمع وإفراد، وظن أنها من هذا الباب، وليس كذلك: لأنها مشتملة على خطاب موسى وهرون عليهما السلام أولا في اتخاذ المساجد لقومهما، ثم ثنّى الخطاب لهما ولقومهما جميعا، ثم أفرد موسى عليه السلام ببشارة المؤمنين؛ لأنه صاحب الرسالة.
[الضرب الثاني: في مقابلة الشيء مثله،]
وهو يتفرع إلى فرعين: أحدهما:
مقابلة المفرد بالمفرد، والآخر مقابلة الجملة بالجملة.
[الفرع الأول:]
كقوله تعالى: نسوا الله فنسيهم
وكقوله تعالى: ومكروا مكرا ومكرنا مكرا
وقد روعي هذا الموضع في القرآن الكريم كثيرا؛ فإذا ورد في صدر آية من الآيات ما يحتاج إلى جوانب كان جوابه مماثلا، كقوله تعالى: من كفر فعليه كفره*
وكقوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها
وهذا هو الأحسن، وإلا فلو قيل من كفر فعليه ذنبه كان ذلك جائزا، لكن الأحسن هو ما ورد في كتاب الله تعالى، وعليه مدار الاستعمال.
وهذا الحكم يجري في النظم والنثر من الأسجاع والأبيات الشعرية.
فأما إن كان ذلك غير جواب؛ فإنه لا يلتزم فيه هذه المراعاة اللفظية، ألا ترى أنه قد قوبلت الكلمة بكلمة هي في معناها، وإن لم تكن مساوية لها في اللفظ، وهذا يقع في الألفاظ المترادفة؛ ولذا يستعمل ذلك في الموضع الذي ترد فيه الكلمة غير جواب.
فما جاء منه قوله تعالى: ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون
ولو كان لا تورد الكلمة إلا مثلا لقيل وهو أعلم بما تعملون، وكذلك قوله تعالى: وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض
فقال لا تخف
بعد قوله