للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا ورد قوله تعالى: ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين

وقد حذف جواب الأمر ههنا، وتقديره: فأتوه به، فلما كلمه، وفي سورة يوسف عليه السلام محذوفات كثيرة من أولها إلى آخرها.

فانظر أيها المتأمل إلى هذه المحذوفات المذكورة ههنا التي كأنها لم تحذف من هذا الكلام؛ لظهور معناها وبيانه، ودلالة الحال عليه، وعلى نحو من ذلك ينبغي أن تكون محذوفات الكلام.

[الضرب الثالث:]

حذف المفعول به، وذلك مما نحن بصدده أخص؛ فإن اللطائف فيه أكثر وأعجب، كقولنا: فلان يحلّ ويعقد، ويبرم وينقض ويضر وينفع، والأصل في ذلك على إثبات المعنى المقصود في نفسك للشيء على الإطلاق.

وعلى هذا جاء قوله تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى. وأنه هو أمات وأحيا.

ومن بديع ذلك قوله عزّ وجلّ: ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير. فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير

فإن في هاتين الآيتين قد حذف المفعول به في أربعة أماكن؛ إذ المعنى وجد أمة من الناس يسقون مواشيهم، وامرأتين تذودان مواشيهما، وقالتا لا نسقي مواشينا، فسقى لهما مواشيهما؛ لأن الغرض «١» أن يعلم أنه كان من الناس سقي ومن الامرأتين ذود وأنهما قالتا لا يكون منا سقى حتى يصدر الرعاء وأنه كان من موسى عليه السلام بعد ذلك سقي؛ فأما كون المسقي غنما أو إبلا أو غير ذلك فخارج عن الغرض.

وقد ورد في الشعر من هذا النوع قول البعيث بن حريث من أبيات الحماسة «٢» :

<<  <  ج: ص:  >  >>