فحيث ذكر الرجاء في صدر البيت فكان ينبغي أن يعيد ذكره أيضا في عجزه، أو كان ذكر الآمال في صدر البيت وعجزه، وكذلك أخطأ أبو الطيب المتنبي في قوله «١» :
إنّي لا علم واللّبيب خبير ... أنّ الحياة وإن حرصت غرور
فإنه قال «إني لأعلم واللبيب خبير» وكان ينبغي أن يقول: إني لأعلم واللبيب عليم؛ ليكون ذلك تقابلا صحيحا.
وهذا الذي ذكره هذا الرجل ليس بشيء، بل المعتمد عليه في هذا الباب أنه إذا كانت اللفظة في معنى أختها جاز استعمالها في المقابلة بينهما، والدليل على ذلك ما قدمناه من آيات القرآن الكريم، وكفى به دليلا.
وهذه الرموز التي هي أسرار الكلام لا يتفطّن لاستعمالها إلا أحد رجلين: إما فقيه في علم البيان قد مارسه، وإما مشقوق اللسان في الفصاحة قد خلق عارفا بلطائفها مستغنيا عن مطالعة صحائفها، وهذا لا يكون إلا عربيّ الفطرة يقول ما يقوله طبعا، على أنه لا يسدد في جميع أقواله، ما لم تكن معرفته الفطرية ممزوجة بمعرفته العرفية.
[الفرع الثاني في مقابلة الجملة بالجملة:]
اعلم أنه إذا كانت الجملة من الكلام مستقبلة قوبلت بمستقبلة، وإن كانت ماضية قوبلت بماضية، وربما قوبلت الماضية بالمستقبلة، والمستقبلة بالماضية؛ إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى.
فمن ذلك قوله تعالى: قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي
فإن هذا تقابل من جهة المعنى، ولو كان التقابل من جهة اللفظ لقال: وإن اهتديت فإنما أهتدي لها، وبيان تقابل هذا الكلام من جهة المعنى