وأما الذي يأتي من التكرير لغير فائدة فإنه جزء من التطويل، وهو أخص منه، فيقال حينئذ: إن كل تكرير يأتي لغير فائدة تطويل، وليس كل تطويل تكريرا يأتي لغير فائدة.
وكنت قدمت القول في باب الإيجاز بأن الإيجاز هو: دلالة اللفظ على المعنى من غير زيادة عليه.
وإذا تقررت هذه الحدود الثلاثة المشار إليها فإن مثال الإيجاز والإطناب والتطويل مثال مقصد يسلك إليه في ثلاثة طرق؛ فالإيجاز هو أقرب الطرق الثلاثة إليه، والإطناب والتطويل هما الطريقان المتساويان في البعد إليه، إلا أن طريق الإطناب تشتمل على منزّه من المنازه لا يوجد في طريق التطويل، وسيأتي بيان ذلك بضرب الأمثلة التي تسهل من معرفته.
والإطناب يوجد تارة في الجملة الواحدة من الكلام، ويوجد تارة في الجمل المتعددة، والذي يوجد في الجمل المتعددة أبلغ؛ لاتساع المجال في إيراده.
وعلى هذا فإنه بجملته ينقسم قسمين:
[القسم الأول:]
الذي يوجد في الجملة الواحدة من الكلام؛ وهو يرد حقيقة، ومجازا؛ أما الحقيقة فمثل قولهم: رأيته بعيني، وقبضته بيدي، ووطئته بقدمي، وذقّته بفمي، وكل هذا يظن الظان أنه زيادة لا حاجة إليها، ويقول: إن الرؤية لا تكون إلا بالعين، والقبض لا يكون إلا باليد، والوطء لا يكون إلا بالقدم والذّوق لا يكون ألا بالفم، وليس الأمر كذلك، بل هذا يقال في كل شيء يعظم مناله «١» ويعز الوصول اليه، فيؤكد الأمر فيه على هذا الوجه دلالة على نيله والحصول عليه، كقول أبي عبادة البحتري «٢» ؛