وهو نفي الشيء بإثباته، وهو من مستطرفات علم البيان، وذاك أنك تذكر كلاما يدلّ ظاهره أنه نفي لصفة موصوف، وهو نفي للموصوف أصلا.
فمما جاء منه قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه في وصف مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «لا تنثى فلتاته»«١» أي لا تذاع سقطاته، فظاهر هذا اللفظ أنه كان ثمّ فلتات غير أنها لا تذاع، وليس المراد ذلك، بل المراد أنه لم يكن ثمّ فلتات فتنثى، وهذا من أغرب ما توسعت فيه اللغة العربية، وقد ورد في الشعر كقول بعضهم:
ولا ترى الضّبّ بها ينجحر «٢»
فإن ظاهر المعنى من هذا البيت أنه كان هناك ضبّ ولكنه غير منحجر، وليس كذلك، بل المعنى أنه لم يكن هناك ضبّ أصلا.
وهذا النوع من الكلام قليل الاستعمال، وسبب ذلك أن الفهم يكاد يأباه، ولا يقبله إلا بقرينة خارجة عن دلالة لفظه على معناه، وما كان عاريا عن قرينة فإنه لا يفهم منه ما أراد قائله.