الشاعرين في اتفاقهما في المعنى أبين من الحكم بينهما فيما اختلفا فيه؛ لأنهما مع الاتفاق في المعنى يتبين قولاهما، ويظهران ظهورا يعلم ببديهة النظر ويتسارع إليه فهم من ليس بثاقب الفهم، وأما اختلافهما في المعنى فإنه يحتاج في الحكم بينهما فيه إلى كلام طويل يعز فهمه، ولا يتفطن له إلا بعض الناس دون بعض، بل لا يتفطن له إلا الفذّ الواحد من الناس، ولي في هذا مقالة مفردة ضمنتها الحكم بين المعنيين المختلفين، وتكلمت عليه كلاما طويلا عريضا، وأقمت الدليل على ما نصصت عليه، وما منعني من إيرادها في كتابي هذا إلا أنها سنحت لي بعد تصنيفه وشياعه في أيدي الناس، وتناقل النسخ به.
وعلى هذا الأسلوب توارد البحتري والشريف الرضي على ذكر الذئب في قصيدة للبحتري دالية أولها:
سلام عليكم لا وفاء ولا عهد
ومقطوعة للشريف الرضي أولها:
وعاري الشّوى والمنكبين من الطّوى ... أتيح له بالّليل عاري الأشاجع
وقد أجاد البحتري في وصف حاله مع الذئب، والشريف أجاد في وصف الذئب نفسه.
[وأما المسخ فهو: قلب الصورة الحسنة إلى صورة قبيحة.]
والقسمة تقتضي أن يقرن إليه صده، وهو قلب الصورة القبيحة إلى صورة حسنة.
فالأول كقول أبي تمام:
فتى لا يرى أنّ الفريصة مقتل ... ولكن يرى أنّ العيوب مقاتل
وقول أبي الطيب المتنبي:
يرى أنّ ما مابان منك لضارب ... بأقتل ممّا بان منك لعائب