للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الالتفات، كأنه ينعي عليهم ما أفسدوه إلى قوم آخرين، ويقبح عندهم ما فعلوه، ويقول: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله تعالى، فجعلوا أمر دينهم فيما بينهم قطعا، وذلك تمثيل لاختلافهم فيه وتباينهم، ثم توعّدهم بعد ذلك بأن هؤلاء الفرق المختلفة إليه يرجعون؛ فهو مجازيهم على ما فعلوا.

ومما يجري هذا المجرى قوله تعالى: يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون

فإنه إنما قال:

فآمنوا بالله ورسوله

ولم يقل فآمنوا بالله وبي عطفا على قوله إني رسول الله إليكم لكي تجري عليه الصفات التي أجريت عليه، وليعلم أن الذي وجب الإيمان به والاتباع له هو هذا الشخص الموصوف بأنه النبي الأمي الذي يؤمن بالله وبكلماته كائنا من كان أنا أو غيري؛ إظهارا للنّصفة، وبعدا من التعصب لنفسه، فقدر أولا في صدر الآية إني رسول الله إلى الناس، ثم أخرج كلامه من الخطاب إلى معرض الغيبة لغرضين: الأول منهما إجراء تلك الصفات عليه، والثاني الخروج من تهمة التعصب لنفسه.

[القسم الثاني:]

في الرجوع عن الفعل المستقبل إلى فعل الأمر، وعن الفعل الماضي إلى فعل الأمر.

وهذا القسم كالذي قبله في أنه ليس الانتقال فيه من صيغة إلى صيغة طلبا للتوسع في أساليب الكلام فقط، بل لأمر وراء ذلك، وإنما يقصد إليه تعظيما لحال من أجري عليه الفعل المستقبل، وتفخيما لأمره، وبالضد من ذلك فيمن أجري عليه فعل الأمر.

فمما جاء منه قوله تعالى: يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون

فإنه إنما قال: أشهد الله واشهدوا

ولم يقل وأشهدكم ليكون موازنا له وبمعناه لأن إشهاده الله على البراءة من الشرك

<<  <  ج: ص:  >  >>