وهذا من إحسان أبي الطيب المعروف، وهو رجوع عن خطاب الغائب الى الحاضر، واحتج أبو الطيب عن تخصيص أبياته بالأربعين دون غيرها من العدد بحجة غريبة، وهي أنه جعلها كعدد السنين التي يرى الإنسان فيها من القوة والشباب وقضاء الأوطار ما لا يراه في الزيادة عليها، فاعتذر بألطف اعتذار في أنه لم يزد القصيد على هذه العدة، وهذا حسن غريب.
وأما الرجوع من الخطاب إلى الغيبة فكقوله تعالى: هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين
فإنه إنما صرف الكلام ههنا من الخطاب إلى الغيبة لفائدة، وهي أنه ذكر لغيرهم حالهم ليعجّبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم، ولو قال: حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بكم بريح طيبة وفرحتم بها، وساق الخطاب معهم إلى آخر الآية؛ لذهبت تلك الفائدة التي أنتجها خطاب الغيبة، وليس ذلك بخاف عن نقدة الكلام.
ومما ينخرط في هذا السلك قوله تعالى: إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون. وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون
الأصل في تقطّعوا تقطعتم، عطفا على الأول، إلا أنه صرف «٣» الكلام من الخطاب إلى الغيبة على طريقة