ألا ترى أنه قال في الأول:«يصرّف مسراها» مخاطبة للغائب، ثم قال بعد ذلك:
«إذا العيس لاقت بي» مخاطبا نفسه، وفي هذا من الفائدة أنه لما صار إلى مشافهة للمدوح والتصريح باسمه خاطب عند ذلك نفسه مبشرا لها بالبعد عن المكروه والقرب من المحبوب، ثم جاء بالبيت الذي يليه معدولا به عن خطاب نفسه إلى خطاب غيره، وهو أيضا خطاب لحاضر، فقال:«هنالك تلقى الجود» والفائدة بذلك أنه يخبر غيره بما شهده، كأنه يصف له جود الممدوح وما لاقاه منه؛ إشادة بذكره، وتنويها باسمه، وحملا لغيره على قصده، وفي صفته جود الممدوح بتلك الصفة الغريبة البليغة، وهي قوله:«حيث قطّعت تمائمه» ما يقتضي له الرجوع إلى خطاب الحاضر، والمراد بذلك أن محل الممدوح هو مألف الجود ومنشؤه ووطنه، وقد يراد به معنى آخر، وهو أن هذا الجود قد أمن عليه الآفات العارضة لغيره من المنّ والمطل والاعتذار وغير ذلك، إذ التمائم لا تقطع إلا عمن أمنت عليه المخاوف.
على هذا النهج ورد قول أبي الطيب المتنبي في قصيد «١» يمدح به ابن العميد في النوروز، ومن عادة الفرس في ذلك اليوم حمل الهدايا إلى ملوكهم، فقال في آخر القصيد:
كثر الفكر كيف نهدي كما أه ... دت إلى ربّها المليك عباده «٢»
والّذي عندنا من المال والخ ... يل فمنه هباته وقياده «٣»