وهذا الباب أنا استخرجته من كتاب الله تعالى، وهو مخادعات الأقوال التي تقوم مقام مخادعات الأفعال؛ والكلام فيه وإن تضمن بلاغة فليس الغرض ههنا ذكر بلاغته فقط، بل الغرض ذكر ما تضمنه من النكت الدقيقة في استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم، وإذا حقق النظر فيه علم أن مدار البلاغة كلها عليه؛ لأنه انتفاع بإيراد الألفاظ المليحة الرائقة ولا المعاني اللطيفة الدقيقة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها، والكلام في مثل هذا ينبغي أن يكون قصيرا في خلابه، لا قصيرا في خطابه، فإذا لم يتصرّف الكاتب في استدراج الخصم إلى إلقاء يده، وإلا «١» فليس بكاتب، ولا شبيه له إلا صاحب الجدل فكما أن ذاك يتصرّف في المغالطات القياسية فكذلك هذا يتصرف في المغالطات الخطابية.
وقد ذكرت في هذا النوع ما يتعلّم منه سلوك هذه الطريق.
فمن ذلك قوله تعالى: وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب
ألا ترى ما أحسن مأخذ هذا الكلام وألطفه؛ فإنه أخذهم بالاحتجاج على طريقة التقسيم؛ فقال: لا يخلو هذا الرجل من أن يكون كاذبا فكذبه يعود عليه ولا يتعداه، أو يكون صادقا [وإن يكن صادقا] يصبكم بعض الذي يعدكم إن تعرضتم له، وفي هذا الكلام من حسن الأدب والإنصاف ما أذكره لك فأقول: إنما قال يصبكم بعض الذي
وقد علم أنه نبيّ صادق وأن كلّ ما يعدهم به لابد وأن يصيبهم، لا