عليه رقيبة، وله حسيبة، فإني لم آمره إلا بأوامر الحق التي فيها موعظة وذكرى، وهي لمن تبعها هدى ورحمة وبشرى، وإذا أخذ بها بلج بحجته يوم يسأل عن الحجج، ولم يختلج دون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على الحوض في جملة من يختلج، وقيل لا حرج عليك ولا إثم إن نجوت من ورطات الاسم والحرج، والسلام.
وهذا الذي ذكرته من كلامي وكلام الصابي في هذه التقاليد الأربعة لم أقصد به الوضع من الرجل، وإنما ذكرت ما ذكرته لبيان موضع السجع الذي يثبت على المحك، ولا شك أن هذا الوصف المشار إليه في فقر الأسجاع لم يكن مقصودا في الزمن القديم، إما لمكان عسره، أو لأنه لم يتنبه له، وكيف أضع من الصابي وعلم الكتابة قد رفعه وهو إمام هذا الفن والواحد فيه؟ ولقد اعتبرت مكاتباته فوجدته قد أجاد في السلطانيات كل الإجادة، وأحسن كل الإحسان، ولو لم يكن له سوى كتابه الذي كتبه عن عز الدولة بختيار بن بويه إلى سبكتكين عند خروجه عليه ومجاهرته إياه بالعصيان لاستحق به فضيلة التقدم، كيف وله من السلطانيات ما أتى فيه بكل عجيبة؟ لكنه في الإخوانيات مقصّر وكذلك في كتب التعازي.
وعندي فيه رأي لم يره أحد غيري، ولي فيه قول لم يقله أحد سواي، وذاك أن عقل الرجل في كتابته زائد على فصاحته وبلاغته، وسأبين ذلك فأقول: لينظر الناظر في هذين التقليدين اللذين أرودتهما له، فإنه يرى وصايا وشروطا واستدراكات، وأوامر ما بين أصل وفرع وكل وجزء وقليل وكثير، ولا نرى ذلك في كلام غيره من الكتاب، إلا أنه عبّر عن تلك الوصايا والأوامر والشروط والاستدراكات بعبارة في بعضها ما فيه من الضعف والركة، وقد قيل: إن زيادة العلم على المنطق هجنة، وزيادة المنطق على علم خدعة، ومع هذا فإني أقرّ للرجل بالتقدم، وأشهد له بالفضل.
وإذ فرغت مما أردت تحقيقه في هذا الموضع، فإني أرجع إلى ما كنت بصدد ذكره من الكلام على السجع، وقد تقدم من ذلك ما تقدم، وبقي ما أنا ذاكر ههنا.