وقوله تعالى: والعاديات ضبحا، فالموريات قدحا، فالمغيرات صبحا، فأثرن به نقعا، فوسطن به جمعا
ألا ترى كيف جاءت هذه الفصول متساوية الأجزاء حتى كأنها أفرغت في قالب واحد، وأمثال ذلك في القرآن الكريم كثيرة، وهو أشرف السجع منزلة؛ للاعتدال الذي فيه.
[القسم الثاني: أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول،]
لا طولا يخرج به عن الاعتدال خروجا كثيرا؛ فإنه يقبح عند ذلك ويستكره ويعد عيبا.
فمما جاء من ذلك قوله تعالى: بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا، إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا، وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا
ألا ترى أن الفصل الأول ثمان لفظات، والفصل الثاني والثالث تسع تسع.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة مريم: وقالوا اتخذ الرحمن ولدا، لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا
وأمثال هذا في القرآن كثيرة.
ويستثنى من هذا القسم ما كان من السجع على ثلاثة فقر؛ فإن الفقرتين الأوليين يحسبان في عدة واحدة، ثم باقي الثلاثة فينبغي أن تكون طويلة طولا يزيد عليهما؛ فإذا كانت الأولى والثانية أربع لفظات أربع لفظات تكون الثالثة عشر لفظات أو إحدى عشرة.
مثال ذلك ما ذكرته في وصف صديق فقلت: الصديق من لم يعتض عنك بخالف، ولم يعاملك معاملة حالف، وإذا بلّغته أذنه وشاية أقام عليها حد سارق أو قاذف؛ فالأولى والثانية ههنا أربع لفظات أربع لفظات لأن الأولى:«لم يعتض عنك بخالف» والثانية: «ولم يعاملك معاملة حالف» وجاءت الثالثة عشر لفظات. وهكذا ينبغي أن يستعمل ما كان من هذا القبيل؛ وإن زادت الأولى والثانية عن هذه العدة