وهذا الفصل مهم كبير من مهمات علم البيان، لا، بل هو علم البيان بأجمعه؛ فإن في تصريف العبارات على الأسلوب المجازي فوائد كثيرة، وسيرد بيانها في مواضعها من هذا الكتاب، إن شاء الله تعالى، وقد نبهنا في هذا الموضع على جملتها دون تفصيلها.
فأما الحقيقة فهي: اللفظ الدالّ على موضوعه الأصلي.
وأما المجاز فهو ما أريد به غير المعنى الموضوع له في أصل اللغة، وهو مأخوذ من جاز من هذا الموضع إلى هذا الموضع؛ إذا تخطّاه إليه؛ فالمجاز إذا اسم للمكان الذي يجاز فيه كالمعاج والمزار وأشباههما، وحقيقته هي الانتقال من مكان إلى مكان، فجعل ذلك لنقل الألفاظ من محلّ إلى محل، كقولنا: زيد أسد؛ فإن زيدا إنسان، والأسد هو هذا الحيوان المعروف، وقد جزنا من الإنسانية إلى الأسدية: أي عبرنا من هذه إلى هذه لوصلة بينهما، وتلك الوصلة هي صفة الشجاعة، وقد يكون العبور لغير وصلة، وذلك هو الاتّساع، كقولهم في كتاب كليلة ودمنة: قال الأسد، وقال الثعلب؛ فإن القول لا وصلة بينه وبين هذين بحال من الأحوال، وإنما أجرى عليهما اتّساعا محضا لا غير، ولهذا مثال في المجاز الحقيقي الذي هو المكان المجاز فيه، فإنه لا يخلو إما أن يجاز من سهل إلى سهل، أو من وعر إلى وعر، أو من سهل إلى وعر؛ فالجواز من سهل إلى سهل أو من وعر إلى وعر هو كقولنا: زيد أسد؛ فالمشابهة الحاصلة «١» في ذات بينهما كالمشابهة الحاصلة في المكان، والجواز من سهل إلى وعر كقولهم: قال الأسد، وقال