تقدم الكلام عليه في باب السجع، لكن التأكيد في هذه الآية جاء ضمنا لتوازن الفقر وتبعا، وأما نفخة واحدة
ودكة واحدة
فإنما جيء بلفظ الواحدة فيهما وقد علم أن النفخة هي واحدة والدكة هي واحدة لمكان نظم الكلام؛ لأن السورة التي هي الحاقة
جارية على هذا المنهاج في توازنها السجعي، ولو قيل نفخة من غير واحدة ودكة من غير واحدة ثم قيل بعدهما: فيومئذ وقعت الواقعة
لكان الكلام منثورا «١» محتاجا إلى تمام، لكن التأكيد جاء فيهما ضمنا وتبعا، وإذا تبين ذلك واتضح فاعلم أن الفرق بين هذه الآيات وبين قوله تعالى: ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه
ظاهر، وذاك أن نفخة هي واحدة ومناة هي الثالثة.
وأما ما جاء منه على سبيل المجاز فقوله تعالى: فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور
ففائدة ذكر الصدور ههنا أنه قد تعورف وعلم أن العمى على الحقيقة مكانه البصر، وهو أن تصاب الحدقة بما يطمس نورها، واستعماله في القلب تشبيه، ومثل؛ فلما أريد إثبات ما هو خلاف المتعارف من نسبة العمى إلى القلوب حقيقة ونفيه عن الأبصار احتاج هذا الأمر إلى زيادة تصوير وتعريف؛ ليتقرر أن مكان العمي إنما هو القلوب لا الأبصار.
وهذا موضع من علم البيان كثيرة محاسنه، وافرة لطائفه، والمجاز فيه أحسن من الحقيقة؛ لمكان زيادة التصوير في إثبات وصف الحقيقي للمجازي، ونفيه عن الحقيقي.
[وأما القسم الثاني المختص بالجمل فإنه يشتمل على ضروب أربعة:]
[الأول منها:]
أن يذكر الشيء فيؤتى فيه بمعاني متداخلة، إلا أن كل معنى يختص بخصيصة ليست للآخر، وذلك كقول أبي تمام «٢» :