قد قلّصت شفتاه من حفيظته ... فخيل من شدّة التّعبيس مبتسما
أخذه أبو الطيب المتنبي؛ فقال:
وجاهل مدّه في جهله ضحكي ... حتّى أتته يد فرّاسة وفم
إذا رأيت نيوب الّليث بارزة ... فلا تظنّنّ أنّ اللّيث مبتسم
ومما ينخرط في هذا السلك قول أبي تمام:
وكذاك لم تفرط كآبة عاطل ... حتّى يجاورها الزّمان بحال
أخذه أبو عبادة البحتري؛ فقال:
وقد زادها إفراط حسن جوارها ... لأخلاق أصفار من المجد خيب
وحسن دراريّ الكواكب أن ترى ... طوالع في داج من الّليل غيهب
فإنه أتى بالمعنى مضروبا له هذا المثال الذي أوضحه وزاده حسنا.
[الضرب الحادي عشر من السلخ:]
وهو اتّحاد الطريق واختلاف المقصد، ومثاله أن يسلك الشاعران طريقا واحدة، فتخرج بهما إلى موردين أو روضتين وهناك يتبين فضل أحدهما على الآخر.
فمما جاء من ذلك قول أبي تمام في مرثية بولدين صغيرين:
مجد تأوّب طارقا حتّى إذا ... قلنا أقام الدّهر أصبح راحلا
نجمان شاء الله ألّا يطلعا ... إلّا ارتداد الطّرف حتّى يأفلا
إنّ الفجيعة بالرّياض نواضرا ... لأجلّ منها بالرّياض ذوابلا
لهفي على تلك الشّواهد فيهما ... لو أخّرت حتّى تكون شمائلا
إنّ الهلال إذا رأيت نموّه ... أيقنت أن سيكون بدرا كاملا
قل للأمير وإن لقيت موقرا ... منه يريب الحادثات حلاحلا
إن ترز في طرفي نهار واحد ... رزأين هاجا لوعة وبلابلا